والطرب الذي تردد به كل نصر في معاركنا البحرية السابقة، وليس في البلاد فرد لا يرى أن حياة بطل النيل أنفس جداً من أن تقوم بعشرين سفينة فرنسية وإسبانية بين ضائعة ومأسورة، فلا مظاهرات فرح شعبي ولا أصداء نشوة قومية صحبت هذا الحادث الخطير. وإنما ظهر شعور الأمانة والرجولة في نفوس الأمة كما ينبغي أن يظهر: رضى عميق بانتصار سلاحهم المحبوب، وحزن خالص أليم كحزن المرء في أسرته على البطل الصريع وتقدم ثماني سنوات فأنت في انتظار الأخبار عن معركة (واترلو) وهي تتوالى متناقضة متفرقة، يقول بعضها بانتصار نابليون ويقول بعضها بانتصار الحلفاء. وتروي عن ولنجتون كلمته المشهورة:(ما رأيت كاليوم غباءً في سبيل النصر، ولا رأيت كاليوم اقتراباً من الهزيمة)
وتقدم أياماً أخرى فإذا بنابليون أسير لم تتحقق أنباء أسره، وإذا بالناس مختلفون هل يجوز الحكم عليه في محكمة دولية؟ هل يسلم إلى ملك فرنسا ليعقد له محكمة فرنسية؟ هل يحاسب على من قتل من الأسرى والسجناء في غير ميدان القتال؟
ثم تحقق نبأ الأسر وجيء بالأسير إلى الشواطئ الإنجليزية، وانعقد مجلس الوزراء للبحث في مصيره. فهل تعلم ماذا قرر مجلس الوزراء؟. . . كلا. . . أنت لا تعلم ذلك في أثناء انعقاده ولكنك تقلب الصفحة فتعلم بالقرار.
وتستمع فإذا الصبية في الطرقات ينادون ينفي نابليون إلى جزيرة القديسة هيلانة، وإذا بالتيمس تقول بعد السفر به إلى تلك الجزيرة:
(ألان نحسبنا على يقين أننا سنفرغ من شأن نابليون بونابرت فلا نعود إلى ذكره إلا أن نتخذ منه مثالاً لكل جريمة عبرة للآخرين. ولئن كانت يد الإنسان قد رفقت به في جزاء آثامه فلا يفهمن من هذا أنه نجا من كل عقاب غير هذا العقاب. وما ندري بأي عقيدة من العقائد يدين الآن. فقد جهر بالإلحاد مرة وبالإسلام مرة أخرى وبالكثلكة مرة ثالثة حسبما لاح له من بوادر المصلحة في كل حين، وكان على ما رزق من الملكات العظيمة والنشاط والدائب عريقاً في الخسة، تلك العراقة التي لا يبالي معها أي ضرب من ضروب الغش والرياء تزجيه لمآربه في غير خجل من افتضاح أمره أو عواقب خداعه ما دام قد نفذ إلى مراده. ولكنه - إن لم يكن إنساناً - فله لا محالة وقد أوى إلى العزلة والفراغ عقيدة يركن