للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويحتل تفكيره وتملأ فؤاده. وأحس بشعور الغريق الذي عثر على حبل الإنقاذ أخيراً، أو إحساس التائه الذي اهتدى بعد لأي إلى السبيل. ورغم معارضة أبيه العنيفة فقد أصر على الزواج منها، وفضل مخاصمة أبيه على الاقتران بابنة عمه علية.

تزوج حسين من الفتاة التي اختارها بنفسه، ورحل إلى الإسكندرية لاستلام مهام منصبه الجديد بعد تخرجه من كلية البوليس. وعاش فترة من الزمن تزيد على العامين وهو يحاول إقناع نفسه بأنه مستمتع بالسعادة الحقة إلى جانب زوجته، وقد نجح في محاولته إلى حد بعيد، ولكن القناع سقط عن عاطفته المزيفة عندما أخبرته زوجته ذات يوم أن علية زارت المنزل في غيابه وسألت عنه ملحة في رؤيته. فجرى إلى شاطئ البحر يتفقد الموضع الذي اعتادت أن تتخذ منه كل صيف مستقراً، وما وقعت عليها أنظاره حتى أحس بلهيب العاطفة يضرم جسده، وبجمرات الحب تتقد بين وجانبه، ودب الوهن في عزيمته واجتاحته حيرة مضنية بين التقدم إليها أو التواري عن أنظارها، ثم لم يلبث أن تراجع بخطوات متلصصة حذراً من أن تكشفه عيناها، وقفل راجعاً والخيبة والمرارة تقسمان مشاعره.

مرت الأيام وعلاقة حسين بزوجته على خير ما يرام صفاء، إلى أن وجد نفسه في صباح يوم من الأيام أمام خطاب غفل من التوقيع يتحدث عن ماضي زوجته الحافل. ومنذ ذلك الصباح نبتت زهور الشك في قلبه، ومنذ ذلك الصباح تتالت الخطابات المغفلة من التوقيع تكشف النقاب عن ماضي الزوجة وتسقي زهور الشك بماء الغيرة حتى أينعت وحان قطافها، فكان الطلاق.

وأحس حسين حينما انتهت علاقته بزوجته كأنه يستيقظ من حلم مريع، أو كأن كابوساً هائلاً يرتفع عن صوره وداعبه شوق ملح لرؤيته علية. وطفق يستعيد في ذهنه صورتها، ويستعرض مشاهد حياتهما الماضية فيعجب كيف انصرف عنها إلى هدى، وكيف شاغل الإحساس بالنفور منها لحظة من الزمن وهي تكن له كل هذا الحب. واستقل الترام في شوق ولهفة إلى (الزمالك) ونزل مسرعاً صوب منزل عمه، ودفع باب الحديقة. ومشى بخطوات متلكئة نحو الباب الكبير، وما أن ارتقى آخر درجة من درجات السلم حتى خارت عزيمته، وإذا به يولي ظهره شطر الباب ويطلق العنان لقدميه هارباً من المنزل.

وهكذا تنتهي قصة (النقاب) وإن لم تحل العقدة النفسية التي ظل حسين يقاسي متاعبها

<<  <  ج:
ص:  >  >>