للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويتخبط بسببها في مسارب الحياة، نقاس جميعاً عقدها ومآسيها ومشاكلها. فنحن نرى إِذن أن حسين قد أخطأ الطريق إلى قلبه، ومهما يقل عن وضوح هذا الطريق فلا يسعنا إلا أن نلتمس له العذر في هذا الخطأ، فتلك هي قصة المجتمع ذي الفروق الطبقية الشاسعة، كما عالجها الأستاذ السحار من زاويته الخاصة.

وقد كان أسلوب الأستاذ السحار المتميز بالسلاسة والصفاء، سلاسة الينبوع المتدفق، وصفاء البحيرة الساكنة، واضحاً متميزاً في هذا الكتاب. ولكنه لم يكن في الحوار على عهدنا به، إذ كان حوار القصة على ما يلوح لي اضعف ما فيها. ويبدو أن أبطال قصته جميعاً مؤمنون بفضيلة (خير الكلام ما قل ودل) إذ كان حوارهم مقتضباً دائما. وهذا مثال صادق لحوار القصة: (وقعد في فراشه يرقبها وهي تتزاين ثم قال: - بدأت أغار. - مم؟! من المرآة. - لم تفدك نصيحة أبي. - افادتني. لفت نظري إلى ما كنت في حاجة إلى سنين لأكشف وحدي. - جعلتك تغار قبل الأوان. من هذا عيب النصائح، توقظ في نفوسنا ما كان نائماً. - لن أنصحك أبداً. - إنصحيني أن أسارع باترداء ثيابي، فقد حان وقت خروجنا. - لن نخرج معاً. - ولماذا كل هذه الزينة إذا كنا لا نخرج الليلة؟. - ستخرج وحدك - وأنت؟ - عندي ميعاد. - أين؟ - هنا. - مع من؟ - أناس يجب ألا تراهم. - قولي من؟. - أصدقاء.)

ويخيل إلي أن هذا الحوار - إلى جانب تكلف الاقتضاب فيه - في حاجة إلى قبس من الحرارة أيضاً لتدب فيه الحياة.

ولابد للناقد أن يعجب بسيطرة الأستاذ السحار على الجو النفسي في القصة رغم أنه الصراع النفسي فيها هو كل شيء. فبطل القصة - حسين - حائر بين مشاعر قلبه المبهمة التي تدفعه بيد خفية إلى الاتجاه نحو ابنه عمه، وبين مشاعر الأنفة والعزة التي توحي إليه أن علية لا تصلح شريكة لحياته لأنها من أسرة تبذ أسرته بالثروة والغنى، ومحمود أفندي - والد حسين - حار بين الموافقة على زواج ولده من هدى لتحقيق سعادته، وهو ما يهدد علاقته بأخيه بالدمار، وبين حمله على الاقتران بابنة عمه وتحطيم فؤاده، وفي هذا صيانة للأواصر بينه وبين أخيه. وهدى حائرة بين أن تفضي لزوجها بسر ماضيها أو أن تكتم عنه كل شيء وتسلم الأمر بين يدي المقادير.

<<  <  ج:
ص:  >  >>