وهكذا نجد كل شخصية من شخصيات القصة مسرحاً للصراع النفسي العنيف. ولكن الزمام لم يفلت من قلم المؤلف في تلك المواقف جميعها.
وللأستاذ السحار لمسات إنسانية رائعة في هذه القصة، ويحضرني بهذه المناسبة حديث جرى بين الصديق الأستاذ أنور المعداوي وبيني في صدد الحديث عن هذا الكتاب وعن الأستاذ نجيب محفوظ. فقال المعداوي أن نجيب محفوظ أعمق خبرة بالحياة من عبد الحميد السحار، ولكن السحار أكثر إقبالا وتفاؤلا منه بالحياة. وقد وافقه على هذا القول، وأظنه حقيقة بينة، فما لا ريب فيه أن الأستاذ نجيب محفوظ أعمق كتاب الشباب خبرة بالحياة، بل لا اظنني مغالياً إن قلت أنه أعمق كتاب القصة العربية خبرة بالحياة. وهذه رواياته تثير دهشتك في عمق كاتبها وقوة فلسفته وفهمه الحياة فهماً حقاً. أما الأستاذ السحار فإنه ولا شك من أكثر الكتاب المصريين تذوقاً. للحياة العائلية ولعل باستطاعتنا أن نجد وجهاً للشبه في هذه الناحية بينه وبين الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني. وبوسعنا أن نلحظ تلك اللمسات الإنسانية التي يتجلى فيها تذوق الأستاذ السحار للحياة في قصة النقاب في مواقف كثيرة، وأخصها تلك المواقف التي تجمع بين الوالد وولده والأم وأبنها والزوج وزوجته، والقصة بعد مليئة بمثل هذه المواقف.
وإذا غفرت للأستاذ السحار أن يزجني في موقف إنساني ويلمس أوتار قلبي، ثم ينتزعني منه على غرة قبل أن أرتوي من الاستمتاع به - كما حدث في عدة مواقف من القصة - فلن أغفر له أبداً إفساده عليّ وعلى قراء القصة أجمعين لذة. ذلك الموقف الإنساني الرائع (ص ٢٧٥) الذي عرض فيه مشكلة فتاة ذات ماض معكر - تعكر بسبب بحثها عن زوج، وهي الأمنية الكبرى في حياة كل فتاة، - ودافع فيه عن هدى دفاعا حاراً ولكنه للأسف دفاع مبتور، سرعان ما نقلنا منه إلى موقف آخر كأنه يخشى أن يزج نفسه في مشكلة إنسانية ينتصر فيها للحق؛ وهو انتصار لاشك سيحمله لوم بعض من أغلقت عينهم عن عدالة الحياة.
ولست مغالياً إذا قلت أن المشكلة التي أثارها الكاتب في ص (٢٧٥) توازي في خطرها المشاكل التي مرت بنا في صحائف الكتاب جميعها، وكان من الممكن أن تقفز إنسانية القصة فيها إلى القمة. فكيف أجاز الأستاذ السحار لنفسه أن يمر بها مرور العابرين؟ لست