وإني لمن المؤمنين بأن التاريخ العربي، سيسجل بأحرف من نور على صحائف غر، هذه اليد البيضاء التي تسديها مصر العظيمة إلى القضية العربية، وهذا السعي الحثيث في سبيل وحدة العرب، تلك الوحدة التي فيها سعادتهم ورفع شانهم بين الدول فتعيد مجدهم وعزهم، وتفتح أمامهم آفاقاً جديدة، أبواباً واسعة للتقدم والرقي، فيد الله مع الجماعة وفي الاتحاد قوة، وفي التفرق ضعف ووهن
وليس أدل على عمل مصر وجهادها في هذا السبيل، من ذلك البيان الخطير الذي أذاعه رفعة النحاس باشا رئيس الحكومة المصرية على العالم في شهر فبراير سنة ١٩٤٣ قبل البدء بمشاورات الوحدة على الدول العربية، وألقاه في مجلس الشيوخ المصري وزير العدل الأستاذ محمد صبري أبو علم باشا باسم رفعته رداً على سؤالين وجها إليه بشأن موقف مصر من الوحدة العربية. وإني لناشر هذا للبيان الخطير في مجلة الرسالة اليوم بكامله، لأنه ولا شك صفحة لامعة لمصر الخالدة، في التاريخ العربي. قال رفعة الرئيس الجليل: (إنني معنى من قديم بأحوال الأمم العربية، والمعاونة على تحقق آمالها في الحرية والاستقلال، سواء في ذلك أكنت في الحكم أم خارج الحكم، وقد خطوت إلى ذلك خطوات واسعة صادفها التوفيق، فاتجه نظام الحكم في بعض الأقطار العربية الاتجاه الشعبي الصحيح
ومنذ أعلن المستر إيدن تصريحه فكرت فيه طويلاً، ولقد رأيت أن الطريقة المثلى التي يمكن أن توصل إلى غاية مرضية هي أن تتناول هذا الموضوع الحكومات العربية الرسمية، وانتهت من دراستي إلى أنه يحسن بالحكومة المصرية أن تبادر باتخاذ خطوات رسمية في هذا السبيل، فتبدأ باستطلاع آراء الحكومات العربية المختلفة فيما ترمي إليه من آمال، كل على حدتها ثم تبذل جهودها للتوفيق والتقريب بين آرائها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، ثم تدعوهم بعد ذلك إلى مصر معاً في اجتماع ودي لهذا الغرض حتى يبدأ المسعى للوحدة العربية لوجهة متحدة بالفعل، فإذا ما تم التفاهم أو كاد، وجب أن يعقد في مصر مؤتمر برئاسة رئيس الحكومة المصرية لإكمال بحث الموضوع واتخاذ ما يراه من القرارات محققاً للأغراض التي تنشدها الأمم العربية