للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النظيفة، والكسوة الفاخرة، وأنت في عافية، حتى طلبت الوزارة! ذق ما عملت بنفسك. . .)

ومن شوهد عليهم من القساة أنهم كانوا أصلب من ذلك عوداً وأخشن مساً وأقرب إلى التمرد والعتو والأنفة من الشكوى فكثيراً ما يكون تمردهم ضرباً من التخبط، أو عرضاً من أعراض التشنج، أو ثورة عصبية هي مرض لا شك فيه كمرض الخنوع والولع بالشكاية وإن اختلف مظهرهما كاختلاف النقيضين.

فالذي نراه من المشاهدات الطبيعة أن القسوة هي العجز والمرض والنقصان، وأن الرحمة هي القدرة والفضل والزيادة.

فالرحيم عنده ما يكفيه ويزيد على كفايته حتى يكفي غيره ويتناوله بالعناية والحماية!

والقاسي عنده من القوة ما يغلب به الضعيف، فهو في الدرجة التالية من الضعف ليس دونه في مراتب القوة إلا فاقد القوة والعاجز عن كبحها.

وهذا بلا ريب غير قسوة الرحمة التي يقول فيها حكيم الشعر العربي:

وقسا ليزدجروا ومن يك حازماً ... فليقس أحياناً على من يرحم

فالرحيم الذي يقسو هنا لينفع بقسوته من لا تنفعهم رحمته، إنما هو أرحم وأقدر على الرحمة، لأن رحمته لا تغلبه ولا تقوده غير واع ولا متدبر حتى يصنع باسم الرحمة ما هو نقيضها أو ما هو قسوة معيبة فيما تنتهي إليه من الإيذاء.

وكفى بالرحمة أنها فتح إنساني في عالم الحياة، ترقى إليها الإنسان وحده بين المخلوقات الحية، وشابهته فيها بمقدار ما صعدت بهم الطبيعة في مرتقاه.

عباس محمود العقاد

<<  <  ج:
ص:  >  >>