ولكن هذا النصر كان محلياً، ولم تفد منه الديمقراطية الأوربية قوة جديدة، ولكنا نشهد من جهة أخرى وثبة جديدة للديمقراطية الفرنسية، فقد أسفرت الانتخابات الفرنسية الأخيرة عن فوز عظيم لأحزاب اليسار أنصار الديمقراطية المتطرفة والحريات الدستورية الواسعة، وهي تتربع الآن في دست الحكم؛ وأسفرت الانتخابات البلجيكية في نفس الوقت عن فوز الأحزاب الاشتراكية؛ وفي روسيا السوفيتية يتحول الطغيان البلشفي منذ أعوام إلى نوع من النظام الدستوري العام تنمو في ظله الحريات والحقوق الفردية باطراد؛ ومنذ أشهر قلائل شهدنا تحالف الديمقراطية الفرنسية، والديمقراطية السوفيتية في ميثاق مشترك لمقاومة الخطر الألماني المشترك. فهذه الظروف والأحداث كلها تنم في نظرنا عن أن الديموقراطية الأوروبية تدخل في طور جديد من أطوار نهضتها
ومما يلفت النظر في عوامل هذه الوثبة الجديدة التي يلوح لنا أن الديموقراطية الأوربية تجيش بها، هو أن فوز الأحزاب الاشتراكية الفرنسية في الانتخابات الأخيرة هذا الفوز الشامل يرجع من وجوه كثيرة إلى المسألة الحبشية التي أثارتها الفاشستية الإيطالية واتخذتها ذريعة للتوسع الاستعماري المسلح؛ فقد كان غزو الفاشستية للحبشة وظفرها بالاستيلاء عليها ممزقة بذلك كل العهود والمواثيق التي ارتبطت بها في العهد القريب، متحدية أوربا وعصبة الأمم والعالم كله، مظهراً قوياً من مظاهر ظفر الطغيان المنظم ونفثة خطرة من نفثاته تنذر العالم بأخطر العواقب، وكان موقف حكومة لافال الفرنسية وتقبلها ونفاقها إزاء المسألة الحبشية، وما قامت به من المعاونات السرية لحكومة رومة، أكبر عامل في تتويج الاعتداء الفاشستي بهذا الظفر الذي تزهو به الفاشستية اليوم وتتخذ منه نذيراً لأوربا، فلما ردت السياسة البريطانية على موقف فرنسا في المسألة الحبشية، بموقفها في مسألة الرين وتخليها عن فرنسا، أدرك الرأي العام الفرنسي أن فرنسا تخاطر بفقد صداقة إنكلترا، فلم ير بدا من التحول في الانتخابات الأخيرة إلى ناحية اليسار لتقوم حكومة تعمل بالتفاهم مع الديموقراطية الإنكليزية، وتتعاون معها على درء خطر الطغيان الفاشستي والطغيان الهتلري
ومن الخطأ أن تعتبر هذه الحركات الطاغية الخطرة التي تضطرم بشهوة الاعتداء والتوسع حركات محلية لا تعني سوى الأمم التي تقوم فيها. فالفاشستية مثلاً تزعم لنفسها صفة عامة،