في رقي الهندسة التحليلية التي ظهرت ظهورها الرائع أخيراً على يد ديكارت سنة ١٦٣٧، ومع هذا فقد احتوت هندسة ديكارت على مسائل تقريبية أو غير مضبوطة.
(٣) وأما الرياضيات التطبيقية فهي متفرعة عما تقدم ذكره من أقسام الرياضيات ومتأخرة في النشوء والظهور، إذ أنها كانت مبعثرة مندمجة في العلوم التي كانت منبعها الأصلي، ولم تنسلخ عنها وتظهر بالصورة التي هي عليها الآن إلا في العصرين الأخيرين، هذا إذا استثنينا المثلثات التي اتسعت بقسميها المستوية والكروية منذ عهد قديم لشدة الحاجة إليها في الحسابات الفلكية. وللعلامة نصير الدين الطوسي كتاب في المثلثات الكروية اسمه شكل القطاع وقد اشتغل في هذا العلم غيره من المتقدمين كأبي ريحان البيروني وأبي الوفاء محمد البوزجاني وأبي جعفر الخازن وأبي فضل الله التبريزي، فقد ألفوا فيه كثيراً ووضعوا نظريات جمة هي من أهم نظريات هذا العلم. ومما هو جدير بالذكر في تاريخ المثلثات أن أبا ريحان البيروني هو أول من اعتبر نصف قطر الدائرة واحداً قياسياً في أبحاث المثلثات.
هذه صورة مجملة من تاريخ العلوم الرياضية يتبين لنا منها أن المدنية الإسلامية حلقة هامة من حلقات هذا التاريخ وركن أساسي عظيم في هذا البناء، فالمسلمون هم الذين وضعوا علم الجبر وحفظوا تراث اليونان، وهم الذين نقلوا عن الهنود الأرقام ونظام كتابتها المعروف اليوم، وتعهدوا كل ذلك بالعناية شرحاً وتهذيباً وتنقيحاُ وتوسيعاً، وأحدثوا كثيراً من الأوضاع، وتوسعوا في كثير من الأبحاث، ووضعوا كثيراً من النظريات، فكان لقريحتهم الفياضة أثر بين لا يزال العلم يحفظه لهم، ومآثر خالدة لا تني المدنية العلمية عن الإشادة بها، وبالجملة فليس من شك في أن ما خلدوه من الآثار في هذه العلوم كان تمهيداً مباشراً لما حدث فيها من التقدم والرقي في العصور الحديثة.