ومن حسن الطالع أن الأمة الفلسطينية لا تقف وحدها في هذا النضال الذي هو بالنسبة إليها معركة الحياة والموت، فإن شقيقاتها العربيات قد فزعت لفزعها وهبت من حولها تنصرها وتشد أزرها بالقول والعمل معا، فألقى رئيس الوزارة العراقية تصريحاته الرسمية المعروفة في إنكار مشروع التقسيم والحملة عليه بشدة، وفي التنويه بما تتعزمه العراق من مقاومته باعتباره خطراً لا على فلسطين وحدها ولكن على الأمة العربية بأسرها؛ ولم يقف رئيس الوزارة العراقية عند هذه التصريحات القوية الحازمة بل قدم احتجاجه بصفة رسمية إلى الحكومة البريطانية؛ وأيد الشعب العراقي موقف حكومته بتنظيم مظاهرات الاحتجاج في بغداد وغيرها؛ وحذت الحكومة السورية حذو الحكومة العراقية في إلقاء التصريحات الرسمية بمعارضة مشروع التقسيم، وفي توجيه الاحتجاج الرسمي إلى الجنة الانتداب بعصبة الأمم، وقام الشعب السوري بمظاهرات مماثلة لتأييد فلسطين في موقفها؛ وقامت مظاهرات مماثلة في الحجاز، وما تزال عواصم الجزيرة العربية كلها تضطرم بأمواج الاحتجاج والسخط على مشروع التقسيم والعطف على فلسطين وتأييدها في جهادها. كذلك لم تكن مصر بمعزل عن هذه الحركة وإن تكن الحكومة المصرية قد آثرت أن تعمل في صمت وهدوء؛ فقد أعرب رئيس الحكومة المصرية في بيانه الرسمي بمجلس الشيوخ عن اهتمام الحكومة المصرية بالقضية الفلسطينية وأشار إلى ما جرى من اتصاله بالحكومة البريطانية في شأنها أكثر من مرة، وإلى أنه عقب ظهور تقرير اللجنة الملكية قد بادر باستئناف هذا الاتصال والسعي بالمسائل الدبلوماسية إلى العمل على صيانة حقوق العرب ومصالحهم، مؤثراً ألا تكون هذه المساعي موضع المناقشة العلنية حرصاً على مصلحة فلسطين ذاتها؛ هذا إلى ما أبدته الهيئات السياسية والوطنية المصرية من احتجاج على مشروع التقسيم وتأييد قلبي لفلسطين.
والواقع أن قيام اليهودية في فلسطين في مثل هذا الحشد القوي المنظم، خطر داهم لا على فلسطين وحدها، ولكن على العالم العربي والإسلامي كله؛ ويزيد هذا الخطر ويذكيه أن تنتظم اليهودية على هذا النحو إلى دولة ذات شخصية مستقلة تجثم في قلب العالم العربي؛ وهذا الخطر متعدد النواحي، فمن الوجهتين السياسية والاقتصادية يخشى أن تكون هذه الدولة الجديدة التي لا يتأتى لها البناء إلا على ما تستطيع تقويضه من صروح الأمة