العربية، مصدر اضطراب دائم في هذا الجزء من الجزيرة العربية؛ وخطرها السياسي على كيان الأمة العربية ظاهر لا يحتاج إلى بيان؛ أما خطرها الاقتصادي فنحن نعرف كيف تعمل اليهودية بوسائلها القوية المعروفة أينما حلت على الاستئثار بجميع الثروات والمرافق؛ على أن هناك خطراً أشد وأفدح من قيام اليهودية في صميم المجتمع العربي والإسلامي على هذا النحو، هو الخطر المعنوي إذا صح التعبير؛ ذلك أن اليهودية كما يشهد تاريخها الفكري والفلسفي تضطرم دائماً بروح الثورة والانتفاض والهدم، وقد كان هذا الروح الثوري الهدام مبعث كثير من الحركات الثورية الهدامة الخفية والظاهرة التي قلبت أوضاع المجتمع، وبثت إليه كثيراً من عناصر الانحلال والفوضى؛ ويكفي أن نمثل لذلك بالشيوعية التي تعتبر اليوم أخطر عناصر الهدم، فهي من نفثات العقلية اليهودية؛ ومذ حلت الصهيونية في فلسطين ظهرت معها العناصر الشيوعية وأخذت تتسرب إلى مصر وسوريا والعراق؛ وهذه العناصر الثورية الهدامة التي تحملها اليهودية معها إلى فلسطين، تغدو إذا ما اشتد ساعد الدولة اليهودية الجديدة خطراً داهما على الأمم العربية التي تجثم في صميمها.
والأمم العربية تقدر كلها هذا الخطر، وكلها من وراء فلسطين في درئه ومقاومته؛ وقد أبدت فلسطين عزمها جلياً قاطعاً على استئناف النضال إذا لم تسمع شكايتها العادلة، وإذا أريد أن تفرض عليها سياسة التقطيع والتمزيق بالقوة القاهرة. على أننا من جهة أخرى نعتقد أن السياسة البريطانية الفطنة لم يفتها أن تقدر ما كان لمشروع التقسيم من سوء الواقع، ولم يفتها بالأخص أن تلاحظ موقف البلاد العربية والإسلامية الأخرى وما ينطوي عليه من دلائل لا تستطيع السياسة البريطانية أن تغفلها؛ ومع أن الحكومة البريطانية قد وافقت على تقرير اللجنة الملكية عن مشروع التقسيم فإن ذلك لا يعني أنها قد اتخذت خطتها النهائية إزاء المسألة الفلسطينية؛ كذلك لم يتخذ البرلمان البريطاني أي قرار في شأن المشروع بالرغم من المناقشات العديدة التي جرت حوله والتي لم تخل من بعض ميول معارضة للتقسيم؛ بل آثر أن يرجئ قراره حتى تنتهي لجنة الانتداب الدائمة لعصبة الأمم من بحث المشروع، وهو الآن أمامها قيد النظر.
والخلاصة أن السياسة البريطانية لا تزال بالنسبة للمسألة الفلسطينية في مفترق الطرق،