ردّوا ما أخذوه من أهل حمص من الجزية، حين اضطروا إلى تركهم لحضور وقعة اليرموك لعجزهم عن الدفاع عنهم في ذلك الوقت، فعجب أهل حمص نصاراهم ويهودهم أشد العجب من ردّ الفاتحين أموالهم إليهم.
ذلك، وقد أوصي الإسلام بأهل الذمة خيراً، أوصى ببرهم، والإحسان إليهم، وحرم ظلمهم، أو أخذ شي منهم بغير حق، كما أنه لم ينه المسلمين عن معاملة مخالفيهم في الدين - بالقسط والبر، وإن لم يكونوا أهل ذمة إذا لم يقع منهم عدوان ولا بغي، قال الله تعالى:(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، وأخرجوكم من دياركم أن تبروهم، وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين، وأخرجوكم من دياركم، وظاهروا على إخراجكم - أن تولوهم - ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون)، وروى داود عن صفوان بن سليم عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آبائهم - أن رسول الله قال:(من ظلم معاهداً أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ شيئاً منه بغير طيب نفس فأنا حجيجة يوم القيامة).
وجاء في كتاب لعمر بن الخطاب أرسله لعمرو بن العاص عامله على مصر (وإن معك أهل ذمة وعهد، وقد وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم وأوصى بالقبط فقال: (استوصوا بالقبط خيراً فإن لهم ذمة ورحماً)، ورحمهم أن أم إسماعيل منهم، وقد قال صلى الله وعليه وسلم:(من ظلم معاهدا أو كلفه فوق طاقته فأنا خصمه يوم القيامة) فأحذر يا عمرو أن يكون رسول الله لك خصما، فإنه من خاصمه فالله خصمه).
وجاء في كتاب آخر أرسله عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة ابن الجراح قوله في شأن أهل الذمة (وامنع المسلمين من ظلمهم والإضرار بهم، وأكل أموالهم إلا بحقها، ووف لهم بشرطهم الذي شرطت لهم في جميع ما أعطيتهم).
أدرك المسلمون الأولون من هذه النصوص وغيرها، ومن تعاليم الإسلام وسمو مبادئه - مدى رحمة الإسلام وعطفه على مخالفيه من الذمة والكتاب - ما استقاموا على الطريقة، ونأوا عن الإثم والعدوان - فلم يعرف عنهم اضطهاد لهم في دينهم، ولا حرمان لهم من حقوقهم، واستخدمهم الخلفاء الأمويون والعباسيون في ترتيب دواوين الخراج، وترجمة علوم اليونان، وقربوا النابغين منهم، واعتمدوا عليهم في شفاء عللهم، بل عدهم المسلمون