للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهنالك في الصحراء القاحلة يتمّ التحوّل الثاني إذ ينقلب العقل أسداً لأنه يطمح إلى نيل حريته وبسط سيادته على صحرائه

وفي هذه الصحراء يفتش عن سيده ليناصبه العداء كما ناصب سيده السابق، فهو يستعد لمكافحة التنّين والتغلب عليه

ومن هو هذا التنّين الذي يتمرد العقل عليه فلا يريد بعد الآن أن يرى فيه ربه وسيده؟

إن التنين هو كلمة (يجب عليك) وعقل الأسد يريد أنينطق كلمة (أُريد)

(إن كلمة (الواجب) تترصد الأسد على الطريق تنّيناً يدَّرع بآلاف الأصداف وعلى كل قطعة منها تتوهج بأحرف مذهبة كلمة (يجب عليك)

وعلى هذه الأصداف تشع سنو ألف عام والتنّين الأعظم يعج قائلاً إن جميع السنين تتوهج عليّ

كل ما هو سنّةٌ قد أُوجد من قبل، وبي تتمثل جميع السنين الكائنة. والحق أن كلمة (أُريد) يجب ألا ينطق بها أحدٌ بعد! هكذا قال التنّين

فأية حاجةٍ لكم أيها الأخوة بأسد العقل؟ أفما يكفيكم الحيوان القوي الجليل الممنّع بامتناعه؟

من اعبث أن تطمحوا إلى خلق سنين جديدة، إن الأسد نفسه ليعجز عن هذا الخلق إذ لا يسعه إلا أن يستعد بتحرير نفسه لخلق جديد لأن قوته لن تتجاوز هذا الحد.

أيها الأخوة، إنّ العمل الذي تحتاجون فيه إلى الأسد إنما هو تحرير أنفسكم والوقوف ببطولة الامتناع في وجه كل شيء حتى وجه الواجب. ذلك أيها الأخوة هو العمل الذي تحتاجون إلى الأسد للقيام به.

إن الاستيلاء على حق إيجاد سنن جديدة يقضي بالجهاد العنيف على العقل الخشوع الصبور، ولا ريب أن في هذا الجهاد قسوة لا يتصف بها إلا الحيوانات المفترسة.

لقد كان العقل فيما مضى يتعشق كلمة (الواجب) كأنها أقدس حق له، وقد أصبح عليه الآن أن ينظر حتى إلى هذا الحق المفدّى فيراه توهماً واعتسافاً، ليتمكن بإرهاق عشقه أن يستولي على حرّيته وليس غير الأسد من يقوم بهذا الجهاد.

ولكن ما هو العمل الذي يقدر عليه الطفل بعد أن عجز الأسد عنه؟ ولماذا يجب أن يتحوّل الأسد المكتسح إلى طفل؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>