بعضاً. إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد). وكان ذات مرة في سفر فأمر أصحابه بإصلاح شاة. فقال رجل: عليَّ بذبحها، وقال ثان: عليَّ بسلخها، وقال ثالث: عليّ طبخها. فقال الرسول صلوات الله عليه: وعليّ جمع الحطب. فقالوا: يا رسول الله نكفيك العمل. فقال: علمت أنكم تكفونني إياه ولكني أكره أن أتميز عليكم!
ولما استعز الله بقاسم الفيء وزعيم الجزيرة وسيد الملوك كانت درعه مرهونة عند يهودي في نفقة عياله!
إنكم حينما تتزعمون لا تفكرون إلا في مثوبة الصديق وعقوبة العدو، ثم لا تخرج أعمالكم وآمالكم عن دائرة الحزبية الصغيرة الحقيرة؛ فالمنفعة تقاس بمقياس الحزب، والسياسة تتلون بلون المنفعة. أما هو فكان يعادي في الله ويصادق في الله. اشتط في أذاه المشركون في مكة والمنافقون في المدينة، فلما أمكنه الله منهم بسط عليهم جناح عفوه. وقال لقريش يوم الفتح: يا معشر قريش! ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً! أخ كريم وابن أخ كريم! قال: أذهبوا فأنتم الطلقاء
ثم كانت سياسته كنور الله لا تعرف الحدود ولا الخصوص ولا الزمن؛ إنما هي سر الخالق العظيم استعلن في سكون الصحراء على لسان الرسول العظيم، ثم دوَّى في غياهب الآفاق ومجاهل الأبد ليكون الشعاع الهادي لكل ضال، والنداء الموقظ لكل غافل
إنكم تسيرون الجنود إلى الخنادق وتبيتون على حشايا الديباج، وترسلون العمال إلى المهالك وتظلون في أبراج العاج؛ أما هو فكان يقاتل مع الجندي حتى يدمى، ويعمل مع العامل حتى ينصب. وكان صحبه إذا احتدم البأس واحمرت الحدَق اتقوا به فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه!
ذلك محمد يا زعماء اليوم وهؤلاء أنتم! فهل تحسون بينكم وبينه صلة، أو تجدون بين سياستكم وسياسته مشابهة؟
لا تقولوا إنه الوحي، فما كانت حياة الرسول كلها ولا سياسته كلها من هدى الوحي؛ ولكن قولوا إنها الرجولة الكاملة والخلق العظيم والعبقرية الفذة والشخصية القوية. وصفة القوة لا تدل على شيء في شخصية الرسول، فإنها لم تظهر في أحد قبله ولا بعده حتى يقوم بها وصف. وما ظنكم بشخصية تخضع لليتيم العديم الزاري على الآلهة والسادة، الرؤوس