ثم جاء جاليليو، وفي عام مايو عام ١٦٠٦م وجّه إلى القمر أول منظار صنعه، فعلم من تلك النظرات الأولى أن لا ملاسة في سطح القمر، وأنه سطح خشن فيه خروج وفيه دخول، وفيه تكسر وفيه انحناء والتواء. ثم تهيأ له منظار الأكبر فحرره إليه، فرأى لأول مرة جبال القمر تمتد في سلاسل كسلاسل الأرض، تدور على الأغلب في حلق يضيق ويتسع. ورأى على حافة الأهلة الداخلة نقطا لامعة في بقع سوداء، عرف أنها قمم الجبال، نالتها وحدها الشمس فأضاءت، بينما الوديان المحدقة بها في ظلام بهيم، وتتبع ظلال تلك الجبال القمرية فوجدها تطول وتقصر، كما تطول وتقصر الجبال الارضية بشروق الشمس عليها وغروبها عنها. إنما الذي حيره أن جبال القمر ووديانه كانت تنير بغتة، وتظلم بغتة، كانت تعرف البياض الخالص والسواد الخالص، وتجهل ما بين هذين الطرفين من درجات، بينما جبال الأرض لا تكاد تنالها الشمس حتى يصيب الوديان من نورها نصيب ولو ضئيلاً. حيرة إحتارها جاليليو من تلك الحيرات الغوالي التي كثيرا ما تنكشف عن حقيقة غالية، حيرة نعرف الآن انها كانت أول دليل على أن القمر لا جو له ولا هواء يلفه كهوائنا، فان هذا الجو الارضي، وهواء دينانا هذا الذي نعيش فيه، يكسر أشعة الشمس إذ تمر فيه فينشرها وينال بها فيما ينال مواقع تلك الظلال التي لولاه لكانت سوداء كالليل، وظلماء كالظلال على القمر.
واستخدم جاليليو أطول تلك الظلال في تقدير أطوال الجبال وخرج من ذلك على نتائج وارتأى أول من رأى فوهات القمر، وهي جبال كالبراكين الأرضية تتقور قممها كالجفان، شبهها كما تراءت له بالعيون على ذيل الطاووس.
ورسم جاليليو خريطة للقمر تحكم له بالحذق وتقضي له بالمقدرة، إذا ذكرنا ان منظاره لم يكبر أكثر من ثلاثين ضعفا، ولكن فاق خريطته في الاتقان وسبقها في التفصيل ما تلاها من خرائط الباحثين، فأصبحت هي ولا قيمة لها إلا المتعة بالقديم.
تبع جاليليو رجال نذكر منهم هيفيليوس وريكسيوني وكسيني وشروطر ولو هرمان وبير ومدلر ووب وشمت بحثوا القمر، فزادوا في قوة المنظار، وأكثروا من رؤية التفاصيل، ودونوها على الورق تارة وعلى المعدن تارة أخرى، وبذلوا في ذلك مجهودات كبيرة، وصبروا وصابروا على المشقات الكثيرة، لاسيما مشقة العين وجهد البصر وألم