للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بعد سنين تزيد على الخمسين

فكيف كان (سعد) حين استعر في يصدره ذلك الحب؟

كان طالباً في الأزهر الشريف، وكان طلبة الأزهر في العهود السوالف على جانب كبير من التوقر والاستحياء

ولو شئت لقلت: إنه كان من الصعب على أي فتىً مصري أن يتخيل كيف تكون المرأة وهي عارية؛ ولو شئت لقلت أيضاً: إن التصون كان مما يتباهى به الفتيان، في ذلك الزمان، قبل أن تصاب الدنيا بأوضار التمدن الجديد

وكان (سعد) أزهرياً عفّ القلب، ولم يكن يعرف من نعيم الحواس غير اللحظات التي يقضيها مع زميله إبراهيم الهلباوي متربِّعَيْن على الرصيف بجانب المحكمة المختلطة لمشاهدة الرائحات والغاديات في عصرية كل خميس

فهل تكون تلك العصريات علَّمتْ سعداً معانيَ الغزَل الملفوف؟

هل تكون أوحت إليه أن قلب الفتى قد يتوهج من حين إلى حين؟

حين قصَ علينا الهلباوي بك - رحمه الله - تلك الحكاية لم يشأ أن يطنب في الشرح والتعليق، فقد كان في المجلس رجال يؤذيهم التبسط في مثل ذلك الحديث ولم أكن أنا أعرف أني سأتكلم عن غرام سعد بعد حين أو أحايين

المؤكد أن سعداً قضى شبابه في تصون وعفاف، ولولا ذلك لكان من العسير أن يظل في نشاطه المعروف إلى أن يجاوز السبعين

ومن هنا نعرف كيف اصطلى بنار الوجد في صباه، فالشاب المصون يعاني من الغرام لذعات أحر من لذع النار، لحرمانه من التصعيد الذي يجود به الحب الأثيم

فأين كان حب سعد، حبه السليم من آفات العبث والمجون؟

أطل يوماً من غرفته فرأى في دار الجوهري فتاةً كحيلة العينين مُشرقة الجبين، ثم غضّ بصره بسرعة حين تذكَّر أن ما زاد على النظرة الأولى حرام لا حلال

وما احتياجه إلى نظرة ثانية وقد رُسمت صورة الفتاة على ألفاف قلبه رسماً جعلها أقرب إليه من متن الألفية، وأوضح من شرح أبن عقيل؟

هل يُطلْ من النافذة فيراها مرة ثانية ليتأكد من التماثل بين الصورة والأصل؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>