بلى. وذلك الشاب الذي كان قلبه ينبض أبدا بأشواق العاطفة وصورة الإحساس، والذي لم تهدأ فيه حيوية الشباب قط، لقد كان أقرب إلى الحياة وأتعرف بها وأوفر نصيبا منها من كثيرين لا يدينون بسخطه ولا يحسون مثل قلقه وثورته.
منذ ذلك العهد - عهد إيحاء سانين - لم يحي المازني في غير عالم الطفولة الخالدة. ولقد تقلبت به الحياة وتقلبت عليه التجارب فما كانت لتمر به إلا كما تمرق الأعاصير من بين قلل الأطواد الشامخة ثم تنكفئ عنه، كما تنكفئ الموجة العتية عن الصخر الركين.
في عالم الطفولة الخالدة عاش المازني أعوامه الثلاثين التي تقضت بين بدء عهده بالكهولة ووفاته، فكانت خلاصة العمر وصفوته ولبابه، وكأنما كان إيذان ذلك العهد بمثابة ميلاد جديد بأديبنا العظيم، وإن سبق مجيئه إلى الدنيا قبل ذلك بأعوام طوال.