المدرسية عندنا. . . إن التربية عندنا مادية بحتة لا أثر فيها للروح، مع أن المجتمع المدرسي الصاخب فرصة نادرة أمام المربين الروحيين لو أرادوا، فالتربية الروحية تعتمد في الغالب على مجتمع لكي تتمكن من نشر مبادئها ويمكن الوصول إلى أهدافها بسهولة. . . وقد يعتقد البعض أن دراسة الدين في مدارسنا تربية روحية، ولكن يؤسفني أن أقول إن هذا وهم واهم؛ فمدرسو الدين والتلاميذ يعرفون ما تنطوي عليه الحقيقة من ألم مرير، وقد يكفي أن تعلم أن غالبية المدرسين يجرون أرجلهم جرا حينما يذهبون إلى حصة الدين، وأن التلاميذ يودون لو أن المدرس انطلق بهم إلى ما يهمهم ويعنيهم من أحاديث الحياة العامة ووفر عليهم مؤونة الشرح والتدريس، بل لقد شكا كثير من المدرسين من أن التلاميذ يجمعون له كثيرا من الأسئلة في شتى النواحي المختلفة ليتحفوه بها في حصة الدين، وشكا آخرون من أن التلاميذ يتسللون لواذا (ويزوغون) في حصة الدين. أما الفريق الذي لم يشك فيعلم الله مبلغ ما يقاسيه من ألم وعناد في سبيل الاحتفاظ بالنظام وضبط الفصل والترهيب مرة والترغيب أخرى حتى ينتهي ذلك الدرس. . . وليس مرد ذلك لشيء في الدين نفسه - معاذ الله - ولا لشيء في التلميذ ذاته كما يتوهم بعض المدرسين، وما أظن أن المدرس يعتقد أنه هو مرد ذلك لأنه لا يحس هذه الظاهرة إلا في درس الدين فحسب، وإنما السبب راجع إلى الطريقة التي يدرس بها الدين وإلى المنزلة التي وضع فيها في المنهج الدراسي، فالدين دراسة نظرية بحتة لمجموعة من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، ودراسة لبعض الشخصيات الإسلامية الفذة، وفي الغالب لا تجد ارتباطا بين هذه المواضيع وحاجات التلميذ النفسية أو المشاكل التي تهمه، وهذا هو السر في انصراف التلميذ عن الدرس إلى الأسئلة التي يضيق بها إخواننا المدرسون، ولو ربطت مواضيع الدين بمشاكلنا القائمة بيننا الآن والمذهب الاجتماعية التي هي موضع اهتمام الرأي العام لكان درس الدين حيا قويا، ولوجد استجابة حارة من التلاميذ، ولكان ذلك تثبيتا للتلاميذ وعصمة لهم من الزيغ.
ولو تناولت دراسة الدين أمراضنا الخلقية وآفاتنا الاجتماعية المتفشية، ولو أتينا بالشخصيات الظاهرة عندنا وربطنا بينها وبين الشخصيات الإسلامية العظيمة ودرسنا هذه الشخصيات دراسة مقارنة، أقول لو فعلنا ذلك لكان ذلك أهدى طريقا وأقوم سبيلا.