للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أبو تمام حجتهم بأن زاد في المديح قوله:

لا تنكروا ضربي له مَنْ دونه ... مثلاً شرُوداً في الندى والبأس

فالله قد ضرب الأقل لنوره ... مثلاً من المشكاة والنبراس

وأمثال هذا النقد اللفظي كثير فقد انتقدوا أيضاً قول أبي تمام:

دنيا ولكنها دنيا ستنصرم ... وآخر الحيوان الموت والهرم

وقالوا: إن الهرم يأتي قبل الموت ولكنه أخره وقدَّم الموت. وهذا اهتمام بالصغائر، فقد كان في استطاعة الشاعر أن يقول: (وآخر الحيوان الشَّيبُ والعَدَم) وقد فعل المتنبي ما هو أشد من ذلك وكانت له عنه مندوحة عندما قال:

جفخت وهم لا يجفخون بِهَابهم ... شيم على الحسب الأغر دلائل

يعني جفخت أي فخرت بهم وهم لا يجفخون بها، وكان يستطيع أن يقول: (فخِرتْ بهم وهُمُ بها لم يفخروا) فيستقيم الوزن والأسلوب ولكن هذا لا يؤخر الشاعر الكبير ولا يقدمه. ومثل هذا النقد يغري به الشعراء أنفسهم عند الملاحاة فقد ورد في كتاب العمدة لابن رشيق أن مسلم بن الوليد انتقد قول أبي نواس

ذكر الصبوح بسحرة فارتاحا ... وأمله ديك الصباح صياحا

وقال: كيف يجتمع الارتياح والملل؟ كما انتقد أبو نواس قول مسلم

عاَصي الشباب فراح غير مُفنّدٍ ... وأقام بين عزيمة وتجلد

وقال كيف يجتمع الرواح والإقامة؟ وفي كل من البيتين يريد الشاعر اجتماع حالات نفسية مختلفة الأسباب. على أن أبا تمام قد يأتي في الفلتات بما لا يستجاد مثل قوله:

بلد الفلاحة لو أتاها جَرْوَلُ ... أعني الحطيئة لاغتدى حَرَّاثَا

و (أعنى) هنا أثقل من الرصاص

وقد عد بعض أدباء العصر أبا تمام من شعراء الرمزية، وهذا في رأيي غير صواب، لأن كل شاعر يستخدم الرموز، ولكن ليس كل شاعر من أدباء الرمزية. وأستطيع أن أفهم سبب عد أبي تمام من شعراء الرمزية، وإن لم يكن كذلك، فإنه يكثر من استخدام التشبيه والاستعارة والمجاز، فللاستعارة رمز والكناية رمز. ولكن شعراء الرمزية في أوربا تخطوا منزلة الاستعارات والكنايات وصاروا يرمزون إلى حالات نفسية بأشياء مادية وبألفاظ أو

<<  <  ج:
ص:  >  >>