وليقسمن بسيد الأولمب ما هذا بشراً إن هذا إلا ملاك كريم!! واقتربن من مكانه، ثم لم يقوين على البعد فاقتربن أكثر، ثم تأجج الهوى في فؤاد إحداهن، وهي أجملهن، إن كان فيهن من هي أجمل من أختها، فهتفت به، فلم يجب، فجذبته من ذراعه جذبة نزل بها إلى الماء
- ماذا بالله عليك يا عروس؟
- تعيش معنا!
- أعيش معكن في الماء وأنا بشر؟
- لن تكون بشراً بعد اليوم، بل تكون إلهاً كريماً
- وأنى لي هذا وأنا غلام هرقل ومولاه، وهو ضمئ إلى جرعة من مائكن تشفي جُوادَه؟
- ومن أذن لهرقل أن يرسو بأرضنا؟ إذن هذا عقابه! تعال! سيمنحك الخلود سيد الأولمب!
وجذبنه إلى القاع. . . ولكنه لم يغرق. . . وهو يعيش إلى اليوم مع هذا السرب من الحور العين لا يخدم أحداً، ولا يجوع ولا يظمأ!
ونهض هرقل يقص أثر فتاه، حتى إذا انتهى إلى النبع، ووجد الآثار هابطة إلى الماء، إلى غير عود، صرخ صرخة تجاوبت أصداؤها في أركان الغابة، ثم جلس ساعة على حفافي المقبرة التي ابتلعت هيلاس ينشج ويبكي. . . وأقسم لا يذوقن من مائها قطرة، وأقسم كذلك لا يصحبن الآرجو في هذا السفر. . وعاد أدراجه، بعد رحلة طويلة قطعها على قدميه إلى أرض الوطن، وعاش حياته الطويلة المقاحمة لا يفتأ يذكر هيلاس، ولا يفتأ يبكي على هيلاس!
وأرست الآرجو في شاطيء تراقيا، ونزل جاسون في نفر من رجاله يمتارون، فعلموا أن ملكا أعمى يقال له فِنْيُوس، شديد البؤس، طويل الشقاء، يحكم هذه المملكة. . . ولم يكن عماه وذهاب بصره علة شقائه فحسب، بل كان ذلك بسبب طيور غريبة الخَلق، لها جسم الطير وريشه ومخالبه، ورأس الإنسان ولُؤمه وخَبَثُ طباعه. . . كانت هذه الطيور تنزل بساحة القصر الملكي، ثم تهجم على غرفة الملك كلما حان موعد الطعام، فتلتهم غذاءه، فلا تبقي ولا تذر. وكان الملك في أكثر الأحيان لا يجد لقمة واحدة يتبلغ بها. لأن هذه الطيور لم يكن من دأبها أن تبقي على شيء. . . حتى على الفتات. . . ولم يكن يردها عن قصر