يشق على أمهر هداة السبيل. ويعرض الراعي عليها أن يهديها أو أن يسير بها إلى كوخ متواضع ولكنه أمين؛ وتقبل الفتاة ما يعرض قائلة إن الرفق الذي يبديه إنما يوجد في الأكواخ المسقوفة بتلك الأخشاب المسودة بالدخان أكثر مما يوجد في الأبهاء المزدانة من قصور الأمراء؛ ثم تتجه إلى السماء مستعيذة، وتسترد بصرها ملتفتة إلى الراعي قائلة: دونك أيها الراعي فاهدني السبيل. . .
ويظهر على المسرح بعد ذلك الأخوان فيناجي أكبرهما القمر والنجوم مستعيذاً بنورها، أو متلهفاً إن لم تجبه الكواكب إلى بصيص من الضوء ينبعث من كوخ. ويقول الآخر إنه يرهف سمعه عله يصيب صوت قطيع ينبعث من حظيرة أو زمارة راع أو صياح ديك بعد ساعات الليل؛ ثم يعلن أسفه على أخته العذراء الضعيفة ويتساءل ترى أين أنت يا أختاه! ربما كنت مستلقية على ضفة باردة رطبة أو مسندة جسمك الواهن من الحزن والخوف إلى جذع خشن، وقد نال منك الجوع والحر. ويعود أكبر الأخوين فيدعو أخاه إلى الهدوء والصبر، ويقول له إنه لا يخلق بالمرء أن يقدر السوء وأن يستعجل بالشر، وأنه لا يظن أن الخطر أحدق بأخته فمثلها من لا يزلزل هدوءها الظلام والسكون لأنها معتصمة بالفضيلة. ويسترسل الأخ الأكبر في امتداح العزلة، ويذكر كيف تريش الحكمة فيها جناحيها بالتأمل، ويقول إن من يحمل بين جنبيه نفساً مضيئة يستمتع بالنور وإن كان في قاع الظلمة، وإن من ينطوي على نفس مظلمة وأفكار سوء فإنه يكون في مثل حلكة الليل، وإن مشى في شمس الظهيرة فهو من نفسه في جب. ويلوح أن ملتن يشير هنا على لسان المتكلم إلى عزلته هو في هورتون وطلبه الحكمة والمعرفة لتستضيء بهما نفسه.
ويرد أصغر الأخوين بقوله إن الزاهد لا يمسه في عزلته أحد ولا يطمع في توافهه أحد، ولا يريد رأسه الأشيب أحد بسوء، ولكن أحرى بالجمال وهو أشبه بشجرة التفاح الذهبي أن يقوم على حراسته تنين. وكيف يطمئن قلبك على عذراء لا حول لها تخبط في ظلام الغابة؟ إنك إذن كمن يلقي بكنز بخيل لدى باب أحد اللصوص ثم يطمئن على سلامته. وما أخشى على أختنا من الظلام والوحشة وإنما أخشى مما يجرانه عليها من اعتداء وقاح تطمعه وحدتها.
ويعود أكبرهما فيذكر لأخيه أنه لا يتكلم عن سلامة أختهما كلام الواثق، ولكنه إن وجد نفسه