بين الخوف والأمل فإنه يفضل أن يميل إلى الأمل. ثم يقول أن أخته ليست كما يتصور أخوه لا حول لها قط، فإن لديها قوة خفية لا يتذكرها أخوه، ويسأله أخوه متعجباً ما تلك القوة إلا إذا كان يقصد قوة الله، فيجيب إنه يقصد قوة الله إلى جانب قوة أخرى وهبها الله إياها فصارت قوتها هي، ويعني بها العفة. ثم يستطرد قائلاً العفة يا أخي العفة، ويقرر أن من تتدرع بها لا تخاف شيئاً ولن يستطيع أن يلطخ طهرها أحد. ويسأل أخاه أيؤمن بهذا الذي يقول؟ فإن كان لا يؤمن به فإنه يعيد على سمعه ما ذكره الأقدمون من الإغريق عن قوة العفة، وذكره بقصة ديانا آلهة القمر والصيد وقوسها وسهامها وعفتها التي هابها الآلهة والملوك.
ثم يذكر مينرفا آلهة الحكمة، وما كانت منيرفا تحول إلى مثل الحجارة الباردة إلا بنظراتها الناطقة بقوة العفة، ويسترسل في قوله فيذكر أن النفس إذا اعتنقت العفة في إخلاص، أحيطت بألف من الملائكة يدرؤون عنها كل ما هو بسبب من الذنب والخطيئة، ويصلونها بالسماء فتسمع ما لا تسمع غيرها من الآذان. وفي هذا الموضع من الغنائية يطنب (ملتن) على لسان أحد الأخوين في بيان فضل العفة كما امتدح من قبل العزلة وطلب الحكمة.
ويطرق سمع الأخوين صوت فينصتان ويقدران أنه إما أن يكون صوت ضال مثلهما أو صوت لص يدعو منسره؛ ويسأل الله أصغرهما لأختهما السلامة والنجاة، ويتأهب أكبرهما للدفاع، ويستنجد السماء له ولأخيه. . .
ويظهر عقب ذلك الروح الحارس في زي أحد الرعاة فيظنه الأخوان راعياً يعرفانه من رعاة أبيهما، ويسألانه ما خطبه، وهل فقد من غنمه شيئاً، فهو يبحث عنه، ويجيبهما أن الأمر أخطر مما يظنان، ثم يسأل عن أختهما فينبآنه أنهما تركاها قليلاً وعادا فلم يجداها، فيطلعهما على مخاوفه وهواجسه، فيسألانه أن يفصح فيقص عليهما ما علمه عن كومس وقبيله وما برع فيه من السحر، ويصف ما يبعثون في الغابة من جلبة وضوضاء، ثم يقول: قد سمعت أغنيه حلوة يرتفع بها صوت رقيق ملؤه الخشوع يسري فوق متن الهواء كما تسري نفحات العطر المقطر صوت بات الصمت ذاته حياله كالمأخوذ عن نفسه حتى لقد ودّ لو أنكر ذاتيته ذهب إلى غير عودة إذا كان صوت كهذا يحل محله. . . وأرهفت أذني أستمع فتبينت أنه صوت سيدتي أختكما الحبيبة، فمضيت لتوي صوب الصوت ولكني