ألفيت ذلك الساحر اللعين قد أدركها قبل أن أصل وظهر لها في لباس قروي وهي تسأله عن اثنين تاها في ظلمات الغابة فاستخلصت أنها تسأل عنكما فخففت أبحث في الغابة حتى لقيتكما هنا، ولست أعلم ماذا كان من أمر الفتاة بعد ذلك.
ويجزع أصغر الأخوين مشفقاً على أخته؛ أما أكبرهما فيظل على يقينه وثقته في الفضيلة والاعتصام بها، فقد تهاجم الفضيلة ولكنها لا تغلب، وتباغتها القوة الظالمة ولكنها لا تزعزعها؛ وأن ما يريده السوء من خطر جسيم يصبح إذاً امتحنت به الفضيلة أعظم دواعي الفخر. ولا بد من أن يرتد الشر فينطوي على نفسه فهو من نفسه ينبت ثم إنه يأكل نفسه. ويعلن الفتى عزمه على مقاتلة ذلك الساحر حتى يرد ما اقتنص وهو صاغر أو يجره من ذوائبه إلى ميتة كريهة فيذهب لعيناً كما لعنت حياته؛ ولكن الروح الحارس أو الراعي يرد عليه بأن شجاعته هذه وإن كان يكبرها لن تجدي عنه شيئاً فذلك الساحر قادر على أن يشل بسحره مفاصله ويتلف كل عضلة في جسمه؛ ويتعجب الفتى ويسأله كيف تجرؤ إذن على أن يدنو من الساحر كما فعل؟ فيظهره الراعي على سر، وذلك أن صبياً من الرعاة دله على نبات يكشف السحر ويأمن به من غوائل السحرة ويفرح بذلك الإخوان، ويعتزمان لقاء الساحر وكسر زجاجته وقهره.
ويتغير المنظر على المسرح، فإذا جانب من قصر عظيم يتبدى للأعين وقد صفت فيه الموائد المغطاة بالأقمشة الموشاة، وزخر بأنماط الزينة وترقرق فيه لحن موسيقى هادئ. وتجلس العذراء على كرسي مسحور، ويظهر كومس وقبيله فيمد إليها يده بكأس، فتأخذها ولكنها تضعها جانبا وتهم بالوقوف، فيأمرها الساحر أن تجلس، فإنه إن هز عصاه أحالها إلى تمثال من المرمر أو صنع بها كما صنع أبولو بدافني؛ وترد العذراء عليه مغضبة بقولها لا تفخر أيها الأحمق، إنك إن استطعت أن تسيطر بسحرك على جسمي فلن تنال من حرية عقلي بكل ما أوتيت من السحر.
ويترفق الساحر في قوله، ويحاول إغراءها بأن تشرب من كأسه وألا تغضب، وأن تنفي عن نفسها الهم، ففي ذلك القصر لا يعرف الحزن؛ وهذا الشراب الذي تحتويه الكأس يملأ النفس حبوراً وقوة وشباباً. ولن يبلغ مبلغه في هذا السبيل ذلك الشراب الذي أعطته في مصر زوجة ثون لهيلينا ابنة جوف؛ وما أحوج العذراء إليه كما يحتاج كل امرئ إلى ما