ينعشه بعد النصب ويريحه بعد العناء، وقد مسها التعب والجوع، وهذا الشراب يدرأ عنها ذلك جميعاً، وتصيح به الفتاة: إنه لن يفعل أيها الكذوب الخائن، وإنه لن يرد إلى لسانك ما نفيته عنه بكذبك من الصدق والأمانة. أهذا هو الكوخ الأمين الذي حدثتني عنه؟ وما هذه الأشباح المنكرة التي أرى؟ هذه الشياطين القبيحة الرؤوس! يا رحمة الله احرسيني. . . اذهب عني بسحرك أيها الساحر البغيض، لو كان ما تقدمه لي كأساً من شراب جونو الذي تشربه إذ تطعم على مائدتها ما تناولته من يدك الخائنة؛ إنه لن يعطي الطيبات من الأشياء إلا الطيبون، ولن تسيغ الخبيث نفس عاقلة تضبطها الحكمة.
ويعلن كومس عجبه من حماقة بني الإنسان وتصديقهم كلام الفلاسفة في القناعة والزهد؛ ولم تخرج الطبيعة إذاً كنوزها وثمارها وزينتها إن لم يك ذلك لتدخل بها السرور على الأنفس المتطلعة إلى كل معجب جميل، وما غناء الحرير والذهب الذي يعبده الناس جميعا وغيرهما من الجواهر؟ إن الإنسان إذا قنع بالتافه من الطعام والشراب والخشن من الثياب لم يعرف أنعم الله ولم يشكره؛ وأين تذهب تلك الأنعم إذا تراكمت بعضها فوق بعض لزهد الناس فيها؟ ويهيب الساحر بالعذراء ألا تخدع نفسها بتلك الكلمة الجوفاء ألا وهي العفاف؛ فإن الجمال لا يكنز وإنما يجب أن تتناوله الأيدي؛ وإذا تصرمت الأيام ذوى كما تذوي الورد في عودها. والجمال فخار الطبيعة، ولذلك يجب أن يعلن في القصور والولائم وعظيم الحفلات حيث يتدبر الناس في عجيب صنعه؛ ويختم الساحر كلامه بأن يدعو الفتاة إلى التفكر فيما يقول فهي في زمن الشباب. . .
وترد عليه العذراء قائلة: ما تصورت من قبل أن تنفرج شفتاي بالكلام في جو كريه كهذا الجو، ولكن ما الحيلة وهذا الساحر يدلس على الرأي ويظن أنه قادر على أن يسحر فكري كما سحر عيني فيأتي بكلام زائف يلبسه لباس العقل؛ وإني لأكره أن تتمكن الرذيلة من أن تدلي بحججها ولا يكون للفضيلة لسان يصد تبجحها. أيها المخادع لا تتهم الطبيعة البريئة كما لو كانت تريد أن تبث في قلوب بنيها الزهو والخيلاء بما تفيض عليهم من كنوزها. إنها ما تخرج خيراتها إلا للطيبين الذين يعيشون وفق قوانينها الحكيمة، ويسيرون حسب ما يقتضيه الاعتدال. ولئن أتيح لكل رجل ممن أضنتهم الفاقة قدر بسيط لائق به مما جعلته الأبهة والترف ركاماً بعضها فوق بعض في أيد قليلة، فإن أنعم الطبيعة بذلك توزع في