الشعوب التي من أصل جرماني استقلالها، والعامل الثاني يضع الشعوب الأخرى تحت نبر الاستعمار يضاف إلى ذلك أن كل شعب غره الشنآن القومي الذي تطنب به النظرية، وإذا كان الكونت دي غوبينو يحصره في الجرمان وحدهم فإن الأقوام الأخرى فسرته على هواها، وفيما ورثته من تقاليدها وأيامها ترى الرفعة فيها والتفوق في قومها.
كل هذه الأمور أيقظت الروح القومي، فأخذت الشعوب تقوي في أفرادها فكرة الوطن والتعلق به، ولم تفت الإشارة إلى ذلك العالم الفرنسي هنري ديسون فأتى في كتابه عن الإسلام بما ملخصه (رأينا في العالم إثر نشر الكونت دى غوبينو نظريته عن الأجناس البشرية تحولا غريباً، فقد تمسكت أكثر الأمم بأهداب القومية تمسكاً شديداً، وادعت باتصالها الوثيق بعرقها الأصلي في حين أن الحقيقة تكذب ذلك، فلم تسلم أمة من الامتزاج والاختلاط حتى لنتمكن من القول إنه ليس في هذا العالم من جنس صاف سليم. وقد شملت هذه الموجة القومية إبان الحرب العالمية المنصرمة أمم الشرق المسلمة؛ فبينما كانت تدعو إلى الجامعة الإسلامية تحولت إلى السعي وراء جامعة عربية. وهكذا الأمر في تركيا وفارس؛ فقد تركت زعامتها الإسلامية في سبيل المثل الأعلى التركي، واهتمت الثانية بشؤونها الخاصة. وهكذا الحال في وادي النيل، فقد رأى سكانه أنفسهم مصريين قبل أن يكونوا مسلمين. ولعل أقوى ما بقى عليه الشعور الإسلامي في أقصى الشرق المسلم في وزير ستان والهند وفي أقصى المغرب المسلم في طرابلس الغرب وتونس وما وراءهما).
يغلب على ظن الناس أن النظام القومي خير نظام يعيشون فيه، ولكن الواقع وبخاصة في هذه الأيام الأخيرة يرينا العداوات تجرهم إلى التقتيل والتفظيع كأن مدنيتهم لم تفدهم في غير التفنن في شحذ الشحناء واختراع المهلكات. ماذا كان يضير هذه الشعوب أن تعيش متآخية مجتمعة لا غالب ولا مغلوب، ولا آكل ولا مأكول؟. . . غير أن العلماء يجدون بأن النظام القومي هو مرحلة لا بد منها يمر فيها الناس قبل أن يجمعوا شملهم في إنسانية واحدة. وإنا نتمنى من صميم الفؤاد أن يمر العالم بهذه المرحلة فلا يقضي عليه الجشع والأثرة وحب الاستيلاء، ولنا في التاريخ أكبر العبر، وقد جاء في القران الكريم (ولا تنازعوا فتفشلوا).