التفوق كثيراً من العنجهية والعزة بأنفسهم، بل ويخامرهم في بعض الأحايين احتقار لغيرهم من الشعوب التي لم تبلغ شأوهم في العصر الحديث. وما من أحد زار لندن عاصمة الإنكليز المعروفين بأنفتهم إلا قرأ على بعض الأندية ومحلات اللهو العامة هذه العبارة (الشعوب الملونة غير مرغوب فيها) وقد شاهدت بنفسي في برلين شريطاً سينمائياً تظهر فيه فتاة أوربية شقراء تنشأ وتترعرع عند جماعة من أهل سيبيريا النائية فتحب فتى جميلاً من بينهم وتتأهب وإياه للاحتفال بالعرس، ولكن المصادفة تجعلها تلتقي بفتى أوروبي أقل جمالاً من عريسها المنتظر الذي أحبته من كل جوارحها، وبالرغم من ذلك كله تشعر بإحساس يدفع بها إلى الأوروبي عندما يفضي إليها بإعجابه بها، وإيثاره إياها فتلحق به غير لاوية على شيْ تحت تأثير هذه القوة الكامنة فيها التي جذبتها نحو جنسها طائعة أو كارهة. فإذا كان بعض هؤلاء الشماليين كأهل سكنديناوة مثلاً لم تظهر غطرستهم، فلأنهم مكتفون بأرضهم لا يطمعون في سواها. كذلك الشعب الألماني فإنه شعب راق شمالي أولع بنظرية الأجناس البشرية لأنه كما ذكرنا يطمح إلى إنشاء إمبراطورية واسعة تليق به كأكبر أمة في أوروبا، فوجد فيها باعثاً يدفعه إلى تحقيق مآربه وصدى لما يصبو إليه في الفتح والتوسع. أما الإنكليز والفرنسيس فانهم ليسوا بحاجة إليها فقد أسسوا إمبراطوريتهم منذ عهد بعيد، واستولوا على ما استطاعوا الاستيلاء عليه. وخلاصة القول أن هذا الشعور بالتكبر والخيلاء أحس به كل غالب مسيطر إلا أنه لم يأخذ شكلاً علمياً في قالب نظرية إلا على يد الكونت دي غوبينو.
الوطنية ونظرية الأجناس البشرية:
يخيل إلى البعض لأول وهلة أنه ضرب من الخرق أن يقال إنه كان وما زال لنظرية الأجناس البشرية تأثير فعال في إيقاظ الروح القومي وتأجيج الشعلة الوطنية في العالم، لعلمهم أن الوطنية هي الشعور بواجب كل شعب من الشعوب نحو أرضه ولغته وتاريخه. ونحن لا نذهب غير هذا المذهب في تعريف الوطنية؛ إنما نريد أن نقول إن ظهور نظرية الجنس جعل كل شعب يفكر في أمره، وينعم النظر في مصيره لعاملين اثنين: الأول دعوة النظرية إلى ضم الأمم الجرمانية في إمبراطورية واحدة. والثاني زعم النظرية بوجوب وضع العالم أجمع في قبضة هذه الكتلة الجرمانية المختارة، فلا يخفى أن العامل الأول يفقد