كنت مشغولاً به طول الطرق؟. وأحتاج أن أبحث عن موضوع آخر. . ومن يدري. . فقد يكون الموضوع الذي أهتدي إليه بعد العناء هو بعينه الذي نسيته وأنا أحسبه غيره.
ومن كثرة نسياني تحتاج الخادمة أن تحاسبني كلما هممت بالدخول أو الخروج، فأني أفقد مناديلي لأني أنسى أين أتركها، أو القيها ولا أذكر ماذا صنعت بها، وزوجتي تعدها مسئولة عن هذه المناديل التي لا ينتهي الخلاف عليها ولا ينقطع الجدال من جرائها. فأنا أزعم أني تركتها حيث ينبغي أن تترك هذه الأشياء، والخادمة تنفي ذلك وتؤكد أني لم أفعل - بأدب طبعاً - وتقسم أنها عدتها فألفتها ناقصة؛ وزوجتي تحدق في وجهي وتسألني: هل أكون مستريح الضمير إذا صدقوني؟ ومتى وصل الأمر إلى الضمير والذمة فأنه لا يسعني إلا أن أتردد وأقول بالأرجح والمعقول كأنها قضية منطقية.
فتشير زوجتي إلى الخادمة وتقول:(يكفي. . . اذهبي يا بنت) فتذهب البنت ولكنها تواجهني حين أهم بالخروج وتسألني كم منديلاً معي؟ فأصيح (أوووه). . وهل أنا أعرف؟. سبحان الله العظيم! ألا يمكن أن يستريح المرء في هذا البيت؟. ما معنى هذا التعطيل؟. تنحي من فضلك.
فتقول:(أرجو أن تعدها).
فأقول:(وما الفائدة، ما دامت تضيع. . . . هه) وأخرجها من الجيوب وأعدها وأقول: (ثلاثة) مثلاً.
فترجو ألا أنسى أنها ثلاثة، فأقول:(طيب. طيب).
وتفتح لي الباب وأنا عائد وتسألني عن المناديل، فأخرج ما أحمل منها وأرمي به إليها وأمضي عنها، فتدركني وهي تصيح وتقول:(هذه أربعة. . . من أين جاء الرابع؟).
فأتعجب وأقول:(من أين جاء؟. . ماذا تعنين. . ربما كنت اشتريته).
فتقول:(ألا يمكن أن تكون أخذت منديل صديق وأنت. . . وأنت. . .!)
ويمنعها الأدب والحياء أن تنطق باللفظ فأنوب أنا عنها وأقول (ذاهل. . . أليس كذلك. . . كلا لم يبلغ الأمر هذا الحد. .)
فتلح وتقول:(ولكن من أين جاء إذن؟).
فأقول متململاً: (أووووه. . . إن شكواك لا تنقطع من أن المناديل تنقص وأنت الآن