ولكني لا أرتاح منها ولا من ستها ولا من الأطفال، ولا أزال أرى من يجري ورائي منهم ويخبرني إني نسيت الجورب أو لبست اثنين مختلفين، أو تركت الطربوش ويوشك أن أخرج برأسي عارياً، إلى آخر هذه التوافه التي لا أعرف لها آخراً.
وأحسب أن نسياني إنما يشتد لأن رأسي لا يخلو من شيء يدور عليه تفكيري ويستغرقني ذلك حتى لأذهل عما عداه؛ وقد كانت أمي - عليها رحمة الله - تتعجب لأمري وتقول لي:(يا بني ما الذي يطير عقلك؟)
فلا يعجبني هذا وأقول معترضاً:(إن عقلي لم يطر. . ثم إن هذا غير معقول. . أم تظنينه حمامة)
فتقول غير عابئة بملاحظتي:(لم يكن أبوك هكذا. . ولا أنا مثلك. . إنك لا تتذكر شيئاً أبداً)
فأقبلها وألثم يدها وأسترضيها وأقول معتذراً:(ماذا أصنع إذا كان ربي قد خلقني هكذا. . . واسع خروق الرأس كالغربال القديم)
فتبتسم وتدعو لي الله أن يرد علي ما غرب من عقلي، فأتقبل دعاءها بالشكر وأمري إلى الله.
والأم تحتمل ابنها وتصبر على ما يكون من ذهوله، ولا تسيء به الظن، وليست هكذا الزوجة فإنها تحمل ذلك على غير محمله، وتؤوله بأنه قلة اكتراث وعدم مبالاة، وأن الرجل لا يفكر فيها ولا يفرض لها وجوداً ولا يقيم لها وزناً إلى آخر هذا الهراء؛ وهي سليمة لا تخونها الذاكرة، فليس في وسعها أن تدرك بلاء النسيان وأن تعذر المنكوب به. ومن العبث أن يقول لها المرء إن كثرة المشاغل هي التي تطير من الرأس كل ما عسى أن يكون فيه. إذن لماذا لا يشغل الرجل بها هي ولا ينسى ما عداها هي. . .؟ هذا هو المشكل
وما دخلت البيت مرة إلا شعرت أني لا بد أن أكون قد نسيت شيئاً أوصتني به زوجتي، فأقول لنفسي:(سترك اللهم. . وعونك أيضاً) وقد أكون مخطئاً ولكن الخطأ لا يمنع الشعور