الكائنات التي حولنا ركود وصمت، وضياء محيط مسيطر، دائم لا يحول. يحسب الإنسان أن هذين الشاطئين لم يهتزا بالحياة قط، ولا دَّوى عليهما صوت قط، ولا وقع عليهما ظل قط، ولدا من الأزل بغير حياة، وذلك يذهبان إلى الأبد
انبسطت هذه الصحراء الذهبية الخالية من الأنس، والغُفل من الصناعة. ثم انبسطت حتى صارت جمالاً نائماً غير محدود
سأكتفي بتسجيل المشاهد صادقاً كالسينما محرراً من قيود البلاغة. هنا قرية فقيرة تؤلفها عدة من أكداس اللبن جاثمة على الرمل المقفر، مغبرة كالتراب، ميتة كالصحراء، أشد إقفاراً من الخرابة المهجورة، كأنما الرمال اختمرت ثم رّبت فكنت القرية. ولو لم أر نفراً من البُداة جالسين القرفصاء لظننت أن كلاب البحر أنشأت هذه القرية الحزينة. كذلك كانت في فقرها وحقارتها. . . ما أهل البادية إلا نبات بشري غريب، سيئ الجد، لا سعي دائب في الدماغ، ولا عمل عظيم في العضلات، كل قُوى حياتهم مصروفة إلى القعود والنوم والهضم والتناسل، ينمو وأحدهم كجذع نخلة فيكبر فيثمر فيجف. كذلك ترجمة كل أطفال البادية
إنما يشكو البدو أربعة أشياء: الذباب والحر والجوع والجُباة. فأما الذباب فيذبه، وأما الحر فيروحه بسعف النخيل، وأما الجوع فيدفعه بما يلتهم من الأرز الكثير، وأما الجباة فكلما ذكرهم حرق الأرم من تحت شاربيه
تتجلى روح الطفولة في بني الصحراء جميعاً، صغيرهم وكبيرهم؛ فمن كل شيء سرور وضحك، ومن أتفه الحادثات وسيلة إلى القيل والقال، والظل بل العدم ينطقهم ويضحكهم ساعات. وهم ما داموا أيقاظاً يتحدثون ويضحكون، ويضحكون ويتحدثون، والعالم عندهم لعبة كبيرة، وحادثات العالم لعب ولهو. البدوي يعمل قليلاً , يعمل في غير جد، يعمل لتكرار ما أورثه آباؤه.
لا يحب التغيير، وهو غريب عن دخائل الاشياء، قد نسى الماضي، وتوهم الغد جنيناً لما تحمله أمه. وحساب ربحه وخسارته محدود بأربعة وعشرين ساعة. يسكره السرور ويتيمه اللون والرُّواء؛ مولع بالعطر والسكر، الصباح الذي يأكل فيه العسل سعيد، والمساء الذي يقاسي فيه البصل شقي، فبالعسل والبصل يتحرك ميزان سعادته. وإذا نالت يده رائحة