للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

زكية، ولقمة حلوة، وامرأة مؤنسة، حسب نفسه أسعد ملوك العالم. فراشه الرمل، ولحافه السماء؛ وأجمل أحلامه غصن من الياسمين، وقدح من الجُلاب، وليلى لها عين غزال. قلتُ إنه طفل، طفل طيب. .

كل قرية لها توابع حيوانية جديرة بالتأمل فهذه إبلٌ راغية، هادرة، رازمة، تهزأ رقابها الطويلة بما حولها من الجُدُر والحظائر. وهذا قطيع من المعز ينتف جلد الأرض الهزيل، هذه الأشواك المغبرة. وهنا كلب ينبح السفينة من الساحل، وهناك دجاجات تطير من قمامة إلى أخرى. وفي الهواء عدد من الحمائم. وهذه جاموسة مدت رأسها إلى النهر ترى قرينها المزينين في جبهتها العاطلة من الفكر، وبين الحين والحين تطأطيئ إلى الماء لتشرب جرعة كبيرة من صورة السماء

وفي الفينة بعد الفينة يبرز رأس امرأة من كوة كوخ. ينشق فمها الحائر الأبكم عن ابتسامة ميتة، وجهها كله برقع من جلد متكنع. وكل زينتها وحليتها ولباسها ثوب في لون الطين. تحسب كل واحدة منهم جسداً بغير روح قد التف في كفن أسود. كذلك حُرمنَ الحياة. وينظرن إلينا نظرات مترددات - نظر الظبي إلى صياده. وكل رجل عندهن حاكم ظالم

أطفال البداة يثيرون في القلب أبلغ رحمة: أيديهم عصى ضامرة، وعيونهم يملؤها ابتسام مضطرب. وأبدانهم الراجفة في القُمُص الزرقاء نحيلةٌ شاحبة ضعيفة هامدة؛ يطيرون وراء السفينة ساعات من أجل ثمرة واحدة. أو لقمة من الخبز. صائحين ضاحكين. ينقطون الساحل بأشباحهم السوداء

وا رحمتاه لأطفال البادية البائسين!

مهما يكن العلمَ الخافق فوق الصحراء فان لها حاكماً طبيعياً هو الشمس

الشمس توقد هنا كل موجود، وتُلهب كل شيء: كل الأشياء التي حولنا تسبح من الشروق إلى الغروب في ملاعب نورية مختلفة الألوان. وستتقلب السماء والتلال والأرض والأفق حتى ماء النهر كل يوم من الفجر إلى الشفق، في دقائق من ألوان الورد والبنفسج، والذهب والزمرد، والياقوت والفيروزج. وهنا يولد الضياء كل يوم ويتلون ويتلألأ، ويتحلل ويتجمع، ويذوب ويغيب.

ثم يستأنف الليل حياته في مطر من النجوم يتجلى في قاع النهر

<<  <  ج:
ص:  >  >>