إلى الظهور في ثوب الملاهي الإغريقية والرومانية، غير أنها كانت مصبوغة باللون الحديث، مطبوعة بالطابع الفرنسي. ومازالت الملهاة تتردد بين الكساد والنفوق، وتترجح بين الهبوط والصعود، حتى جاءها موليير (١٦٢٢ - ١٦٧٣) فأقرها في نصابها، وشرع السبيل إلى كتابتها، وطبعها بطابع الملاحظة القومية والحرارة القلبية والذوق السليم. وقد عالج موليير أنواع الملهاة المختلفة بالنظم والنثر: فلهو غير الملاهي المجونية والاشكالية، ملاهي اجتماعية: كالمتحذلقات السخيفات، والنساء العوالم، والحضري الشريف؛ وملاه خلقية: كترتوف، دون جوان، والمتوحش، والبخيل.
كان موليير يتناول العيب أو الحمق وهو في عنفوانه، فيصور منه مناظر طبيعية صادقة، ثم ينتهي من هذا التصوير ببيان عواقبه الوبيلة على صاحبه وعلى المتصلين به فتصوير العيوب هو أكثر ما في ملاهي موليير. أما التعقيد الروائي فهو ضعيف، والحل في جملته يعوزه الإمكان والمنطق، إذ ليس نتيجة طبيعية لحوادث العمل. ثم ذهب موليير وأعقبه رنيار (١٦٥٥ - ١٧٠٩) فكتب طائفة من الملاهي الإشكالية كالمقامر والذاهل، ولكن أخلاق أشخاصه ليست محددة الرسوم، وإنما ملئها بالنكات المضحكة، حتى قال فيه (جوبير)(رنيار يهزل هزل الخدم، وموليير يمزح مزاح السادة) ومر القرن السابع عشر، ولم يشتهر في الملهاة غير هذين الكاتبين. ولما جاء القرن الثامن عشر ظهرت فيه طائفة من الملاهي الجيدة. كملهاة تركاريه أو المالي، الكاتب لساج (١٦٩٨ - ١٧٤٧) فضح بها حديثي النعمة من المثرين، وحلاق اشبيلية، وزواج الفيجارو لبومارئيه (١٧٣٢ - ١٧٩٩) وهما ملهاتان قويتان إلا أنهما لم تراعيا حقوق الأسرة. ثم المسارات الباطلة، والوصية، والتجربة، لمارسيفو (١٦٨٨ - ١٧٦٣) وهي ملاهي عني فيها كاتبها بتفصيل الدلال، وتحليل الحب، دون العناية بتصوير الأخلاق ووصف العادات. ثم أشتهرالقرن التاسع عشر بنخبه من الملاهي القيمة لطائفة من نوابغ الكتاب. كبيار (١٧٦٩ - ١٨٢٨)، وسكريب (١٧٩١ - ١٨٦١)، ولأبيش (١٨١٥ - ١٨٨٨)، واوجيه (١٨٢٠ - ١٨٨٩)، وأسكندر دوماس الصغير (١٨٢٤ - ١٨٩٦)، وفيكتوريان ساردو (١٨٣١ - ١٩٠٨). وقد كان النوع الغالب على هؤلاء الكتاب هو الملهاة الاجتماعية مشوبة بالمذهب الطبيعي، فقد أخذ أوجييه ودوماس يقللان فيها من تعقيد أسكريب وجاء هنري بيك (١٨٣٧ - ١٨٩٩)