مؤلف (الغربان) فمحا التعقيد وتوخى بساطة العمل وسذاجة الأسلوب. ثم أنقلب المذهب الطبيعي من هؤلاء إلى مذهب المسرح الحر، وهو مذهب سطحي الفكرة خامد الحركة، يهزأ بالقواعد المسرحية، ولا بتقيد بالعمل الروائي، وغنما يكتفي بتكثير المناظر المضحكة، وتصريف الحوار في مختلف النكات المستطرفة الحديثة. ولم يدم هذا المذهب الخليع إلا قليلاً، ثم أودى به إسرافه وتهوره. وظلت الملهاة الاجتماعية أو الجدية أو المبكية تسير مع الزمن، وتتطور مع أهله ونظمه، حتى حلت محل الدراسة الابتداعية وأصبحت اليوم موضوع المسرح الحديث كما سنبينه عند الكلام في الدراسة.
تلك حال الملهاة في فرنسا. أما حالها في إيطاليا فقد ظلت خافتة الصوت ضعيفة الأثر قليلة النجاح حتى القرن الثامن عشر. فما كان يظهر منها قبل ذلك العهد إلا نوع غير مسطور، يرتجله الممثلون تبعاً لخطة مرسومة من قبل. فلما نبغ الكاتب (جولوديني)(١٧٠٧ - ١٧٩٣) وهو عند الإيطاليين كموليير عند الفرنسيين، أسس قواعد الملهاة ونهج سبيلها لبنى قومه: وأما في أسبانيا فملهاتها الوطنية كانت ملهاة المعطف والسيف وهي نوع من الرواية المنزلية، بطلها دعي من أدعياء الشجاعة الذين يسمونهم ماتامور (أي قاتل العرب) لأن الرجل من هؤلاء كان يملأ ماضغيه فخراً بكثرة ما قتل من العرب كذباً وادعاء وكانت عنايتهم في هذا النوع لتعقيد الحوادث أشد من عنايتهم بتصوير الأخلاق. وأشهر تلك الملاهي: الطاحون، وكلب البستاني، للوبي دي فيجا (١٥٦٢ - ١٦٣٥)؛ وساخراً أشبيلة، ونديم بطرس، لجبريل تلز؛ والحقيقة المريبة لرويز دالر كون (١٦٣٩) وهي التي أستمد منها موليير أخلاق ملهاة (الكذب).
وأما في إنجلترا فلم بنبغ في الملهاة غير شكسبير (١٥٦٤ - ١٦١٦) فقد كتب: (ثرثارات وندسون الفرحات)، وجعجعة ولا طحن وتيمون الخ، وهذا كل ما تجده من الملهاة الأصيلة في الأدب الإنجليزي.
أما غيره فقدا أكتفى باقتباس الملاهي الفرنسية أو تقليدها. وأما في ألمانيا فلم ينفق فيها غير الملهاة العامية في العاب (المرفع)، وهو نوع من التمثيل المضحك البذيء. أما الملهاة الأدبية فلم يؤثر عن الألمان منها إلا شيء قليل القيمة عديم الأثر، على رغم كوتزبيو وأمرمان، وبلوم، وبينديكس، وهكلندر من الفوز.