(رغوس) من ثغور الأدرياتيك الشرقية، وكان لهم على شواطئ قلورية (جنوب إيطاليا) مستعمرات زاهرة لبثت حلية هذه المياه عصراً. هذا ولسنا نتحدث عن دولة الإسلام في إسبانيا، ولا دولة الإسلام في صقلية، لأننا نخص بهذا الحديث غزوات الجماعات والعصبات المسلمة التي كانت تعمل لحساب نفسها مستقلة عن الحكومات.
ويبالغ المؤرخون الغربيون أيضاً في تصوير الآثار المخربة لتلك الغزوات الإسلامية، وما كانت تقترن به من ضروب العنف والسفك، ولكن العنف والقسوة والسفك والتخريب لم تكن خاصة بالغزوات الإسلامية، وإنما كانت من خواص العصر ذاته؛ ولم تكن الغزوات النصرانية للأراضي الإسلامية أقل عنفاً وسفكاً؛ ويكفي أن نشير هنا إلى الحملات الصليبية التي لبثت مدى عصور تحمل إلى الأمم الإسلامية أروع صنوف الدمار والسفك؛ بل يكفي أن نشير إلى ما كانت ترتكبه البعوث الاستعمارية الحديثة، والإنكليزية والفرنسية، في الدنيا الجديدة من صنوف القسوة والسفك، وما ترتكبه اليوم بعض الأمم الأوربية (المتمدنة) من الجرائم المروعة في أفريقية وآسياباسم المدينة والاستعمار.
والآن لنر ماذا خلفته الغزوات الإسلامية في هذه الأنحاء من الآثار المادية والاجتماعية. ومن المحقق أن هذه الآثار لا تكاد ترى اليوم، ولا يشعر بها إلا الباحث المنقب، ويلاحظ أولا أن الفتوحات العربية الأولى في غاليس وأكوتين لم يطل أمدها أكثر من نصف قرن، ولم تكن الحضارة الإسلامية في أسبانيا قد تكونت وتفتحت بعد. ثم كانت الغزوات اللاحقة التي فصلنا أخبارها، والتي كانت أقرب إلى المغامرات المؤقتة منها إلى الفتوح المستقرة، فلم تتح للغزاة فرص الاستقرار والعمل السلمي، لأنهم كانوا في مراكزهم النائية متفرقين يشغلون قبل كل شيء بالدفاع عن مراكزهم وأنفسهم. بيد أن هذه الغزوات المحلية المتقطعة، وهذه المستعمرات العربية النائية خلفت وراءها في الأراضي المفتوحة بعض الآثار الهامة المادية والمعنوية. ومن ذلك ما كشفته المباحث الأثرية منذ القرن الماضي على شواطئ خليج سان تروبيه من أطلال الحصون العربية القديمة التي كانت قائمة في تلك الأرض، والتي لا تزال قائمة في بعض آكام الألب الفرنسية والسويسرية، وهي تدل على ما كان للغزاة من الحذق والبراعة في
فن التحصينات والمنشآت الحربية؛ وهنالك في جنوب فرنسا، وفي بعض أنحاء إيطاليا