الشمالية والجنوبية، عدد كبير من الأبراج القائمة فوق الآكام والربى، يدل ظاهرها على أنها كانت تستعمل لأغراض حربية؛ ويرى البعض أن هذه الأبراج إنما هي آثار عربية من مخلفات الغزاة، كانت تبني لعقد حلقات الاتصال وتسهيل حركات الدفاع فيما بينهم؛ ومن المعروف أن العرب منذ فتوحاتهم الأولى في سبتمانيا (لا نجدوك) أعنى منذ أوائل القرن الثامن، كانوا ينشئون في الأراضي المفتوحة حصوناً وأبراجاً تسمى (بالرباط). بيد أن فريقاً آخر من الباحثين يرى بالعكس أن هذه الأبراج إنما كانت من إنشاء أبناء الأرض المفتوحة، أقاموها أيام اشتداد خطر الغزوات العربية ليستعينوا بها على رد الغزاة.
وقد ظفرت المباحث الأثرية أيضاً بالعثور على كثير من القطع الذهبية والفضية (المداليات) في أنحاء كثيرة من لا نجدوك وبروفانس، وثبت أنها من مخلفات العرب، وأنها كانت تستعمل للتعامل مكان النقود، ولكنها لا تحمل اسماً ولا تاريخاً، ولا يمكن تعيين عهد سكها، وإن كانت بذلك تدل على أنها ترجع إلى عصر الغزوات الأولى. ووجدت أيضاً في الأعوام الأخيرة في منطقة تور سيوفٌ ودروع قبل إنها عربية من مخلفات الواقعة الشهيرة التي نشبت في تلك السهول بين العرب والفرنج (بلاط الشهداء)
ومن الحقائق التي لاشك فيها أثر العرب في الزراعة؛ فقد رأينا أن كثيراً من الغزاة تخلفوا عن إخوانهم واستقروا في تلك الأرض وزرعوها. ومن المعروف أن العرب حولوا وديان إسبانيا المجدبة إلى حدائق وغياض زاهرة، ونقلوا إليها مختلف الغراس من الشرق، وأنشئوا بها القناطر العظيمة؛ وقد حمل هؤلاء الغزاة المغامرون إلى جنوب فرنسا كثيراً من خبرتهم الزراعية، ونقلوا لسكان تلك الأنحاء؛ ويقال إن (القمح الأسمر) الذي هو الآن من أهم محاصيل فرنسا إنما هو من مخلفات العرب، وهم الذين حملوا بذوره وكانوا أول من زرعوه بفرنسا؛ والمرجح أيضاً أنهم هم الذين حملوا فسائل النخيل من إسبانيا وأفريقية إلى شواطئ الريفييرا. ومن آثارهم الصناعية، استخراج (القطران) الذي تطلى به قاع السفن ويحميها من العطب، فهم الذين علموه لأهل بروفانس، وما زال عندهم من الصناعات الذائعة، ومازال اسمه الفرنسي ينم عن أصله العربي.
ومن الحقائق الثابتة أيضاً فضل العرب في تحسين نسل الخيل في تلك الأنحاء، ومازال في جنوب فرنسا جهات تشتهر بجمال خيولها ونبل أرومتها، ولا سيما في (كاماراج)، وفي