مقاطعة (لاند) من أعمال غسقونية؛ ومن المحقق أن هذه الخيول الأصيلة الجميلة إنما هي من سلالة الخيول العربية التي أحضرها الفرسان المسلمون معهم إلى تلك الأنحاء. ولا ننسى ما للدم العربي من أثر في بعض أنحاء جنوب فرنسا، فقد رأينا العرب أنشئوا بعض المستعمرات الزراعية وتزوجوا من نساء تلك الأرض وتناسلوا فيها؛ ولما تغلب عليهم النصارى، وأخرجوا نهائياً من تلك الأرض، تنصر كثير منهم ممن أسروا، وأرغموا على افتداء حياتهم وأسرهم بالتنصر؛ وقد لبث أبناء هؤلاء العرب المنتصرين عصوراً في تلك البلاد، يشتغلون بالزراعة والتجارة، حتى جرفهم تيار التطور واندمجوا أخيراً في المجتمع النصراني، واختفت كل آثارهم وخواصهم العربية.، وما زالت ثمة في بروفانس في وادي الرون على مقربة من ليون، كذلك في بيجور على مقربة من جبال البرنيه، جماعات فرنسية تتكلم لهجات غريبة، ولها أخلاق وتقاليد خاصة، ويظن البعض أنها ترجع إلى أصل عربي؛ ولكن البحث يرجح أنها ترجع إلى بعض قبائل النور الذين استقروا في تلك الأنحاء منذ عصور.
هذا، وأما عن الآثار الاجتماعية، فانه يلاحظ في بعض جهات بروفانس التي استقر فيها العرب مدى حين، أن لسكانها بعض التقاليد الخاصة، ومن ذلك أنواع معينة من الرقص، يظن أنها ترجع إلى أصل عربي. أن أعظم آثار العرب الاجتماعية في جنوب فرنسا، يبدو في تطور الحركة الفكرية في العصور الوسطى، فقد كان للعرب أثر عظيم في تكوين النزعة الشعرية في الجنوب، وظهر أثر هذه النزعة واضحاً في الحركة الأدبية التي تعرف بحركة التروبادور والتي ظهرت في جنوب فرنسا وفي شمال أسبانيا وشمال إيطاليا منذ القرن الحادي عشر، وقوامها القريض الحربي والغنائي، وزعماؤها فرسان شعراء وفنانون. أضف إلى ذلك أن تأثير الحضارة الإسلامية في سير حضارة أوربا الجنوبية لم يقف عند هذا العصر ولا عند هذه الحدود، فقد استمرت العلائق بعد ذلك طويلاً بين مسلمي الأندلس، والأمم النصرانية المجاورة، وكان للحضارة الأندلسية في تطورها الاجتماعي أعظم الآثار.
ولقد لبثت ذكرى العرب وذكرى الغزوات العربية في فرنسا تثير مدى القرن الثامن في نفوس النصارى أعظم ضروب السخط والروع، وتقدمها إلينا الرواية الكنسية المعاصرة في