أشنع الصور؛ فلما ظهرت عصابات النورمان والمجر، وغزت فرنسا من الشرق والغرب، رأى النصارى من عيثهم وسفكهم أهوالاً لا تذكر بجانبها أهوال الغزوات الإسلامية، وارتفعت ذكرى العرب، وأضحت تقترن بكل ما هو عظيم ضخم، يقول رينو: (إن ذكرى الغزوات النورمانية والمجرية لا توجد إلا في الكتب. ولكن ما السر في أن ذكرى العرب مازالت ماثلة في جميع الأذهان؟ لقد ظهر العرب في فرنسا قبل النورمان والمجر، واستطاعت إقامتهم بها بعد الغزوات النورمانية والمجرية. وإن غزوات العرب الأولى ليطبعها طابع من العظمة، حتى أننا لا نستطيع أن نتلو أخبارها دون تأثر. ذلك أن العرب، دونالنورمان والمجر، ساروا مدى آماد في طليعة الحضارة؛ ثم انهم لبثوا بعد أن غادروا أرضنا، موضع الروع في شواطئنا، وأخيراً لأن المعارك التي اضطلعوا بها أيام الصلبين في إسبانيا وأفريقية وآسيا، أسبغت على أسمهم بهاء جديداً. بيد أن هذه العوامل كلها قد لا تكفي لتعليل المكانة العظيمة التييتبوأها الاسم العربي في أوربا وفي أذهان المجتمع الأوربي. إما السبب الحقيقي لهذه الظاهرة المدهشة، فهو الأثر الذي بثه قصص الفروسية في العصور الوسطى، وهو أثر لا يزال ملموساً إلى يومنا.