وكان الكثيرون من أدباء الصف الثاني قد أخذوا ببريق الشهرة التي ينالها المشهورون المكثرون، فركضوا كذلك في الطريق، وباتت المطبعة وأصبحت فإذا هي تساقط على رءوس القراء كتبا أقلها قيم ومعظمها هراء. . .
واستيقظت فطرة القراء القلائل بطبيعتهم في العربية، فإذا الإعراض والجفاء عن هذا المكرور المعاد من أعمال الأدباء، وعن الأدب كله عند كثرة القراء. . . وصاحب هذا ركود حركة النقد الأدبي، النقد الذي يزيف الزائف، ويستبقي الصحيح، والذي يخلق في الجو الأدبي حيوية ونشاطا وتطلعا وأخذا وردا ودفعة إلى الأمام
والذي بقى من النقد الأدبي انتهى إلى أن يكون أضحوكة ومهزلة، فلقد تألفت شبه نقابات أو عصابات، كل نقابة منها أو عصابة. وكلة بالدعاية (لمنتجات الشركة) التي تنتمي إليها بطريقة مفضوحة مكشوفة، لا تخفى على ذوق القارئ ولا تزيد على أن تقتل الثقة في نفسه بما يكتب وما يقال!
وامتدت هذه النقابات إلى دور الصحف والمجلات، فعسكرت كل منها في مجلة أو صحيفة، وأصبح محرما على أي كتاب لا ينتمي صاحبه إلى (شلة) معينة أن يجد له من صفحات تلك المجلات والصحف نصيبا. . . وبهذا أطبق البلاء على النقد وعلى الأدب سواء!)
هذه فقرات مما كتبه الأستاذ الصديق في عدد مضى من الرسالة. فقرات فيها الحق، وفيها اصدق، وفيها العرض الموفق لجانب من جوانب المشكلة التي نضعها اليوم على بساط البحث والمناقشة، نقول اليوم ونعني بقولنا الوقت الذي أثيرت فيه ودفعنا إلى شيء من التعقيب، ونعود إلى الأمس القريب الذي عرضنا فيه للمشكلة قبل أنيعرض لها الأستاذ قطب، هناك حيث قلنا في مقدمة كتابنا الذي سيكون بين أيدي القراء بعد أيام:
(في حياتنا الأدبية ظواهر تستوقف النظر، وتغري بالبحث، وتدعو إلى التأمل والمراجعة. . وتستطيع أن تسمي كل ظاهرة من هذه الظواهر مشكلة؛ مشكلة تتعدد فيها الجوانب، وتتشعب الزوايا، وتبقى بعد ذلك في انتظار العلاج. . . ولك أن تضع مشكلة النقد الأدبي في مقدمة المشكلات التي تعانيها الحياة الأدبية في هذه الأيام!
أول زاوية يمكن أن ننظر منها إلى المشكلة، هي أن أكثر الذين يتولون صناعة النقد لا