يصلحون لها على التحقيق؛ فبعضهم تنقصه الثقافة الرفيعة فهو من أنصاف المثقفين، وبعضهم تنقصه التجربة الكاملة فهو من المبتدئين، وبعضهم ينقصه الذوق المرهف فهم من ضعاف الملكة وقاصري الأداة! هذه الأركان الثلاثة من أركان النقد الأدبي نضعها مجتمعة في كفة، لنضع في الكفة الأخرى ذلك الركن الخطير الرابع ونعني به الضمير الأدبي وهو وحده مشكلة المشكلات. . . وماذا تجدي الثقافة، وماذا تجدي التجربة، وماذا يجدي الذوق، إذا كان الضمير الأدبي لا وجود له؟ لا شيء يجدي على الإطلاق! لأن الضمير يوجه الثقافة فلا تجور، ويهدي التجربة فلا تضل، ويرشد الذوق فلا ينحرف. . وماذا نفعل وكتاب النقد الأدبي في مصر هم فئة من ذوي الأهواء والأغراض، يسيرون في ركاب هذا وذاك، يصفقون وليس هناك ما يدعو إلى التصفيق، ويهتفون وليس هناك ما يبعث على الهتاف!؟ الضمير الأدبي عندنا هو مشكلة المشكلات، وأعجب العجب أن الذين يتولون صناعة النقد في هذه الأيام لا يشعرون بأنهم معرضون لميزان فيرهم من النقاد، وانهم حين يظفرون بثناء بعض الناس يفقدون من الكثرة الغالبة كل احترام وتوقير، لا يشعرون بشيء من هذا لأنهم أغمار، ولأنهم أصحاب أهواء وأغراض!
النقد الأدبي في مصر تنقصه هذه الدعائم الأربع مجتمعة: الثقافة، والذوق، والتجربة، والضمير. . . ونقول مجتمعة لأن هناك المثقف المحروم من الذوق؛ ذلك الذي يوفق حين يقدم إليك نظرية في النقد ويخفق إذا ما وصل إلى مرحلة التمثيل والتطبيق. وهناك المثقف الذي لم يمد ثقافته بروافد من التجربة الكاملة؛ ونعني بها معالجة الكتابة في النقد الأدبي على هدى الإحاطة التامة بأصوله ومناهجه. وهناك المثقف الذي تجتمع له الثقافة والذوق والتجربة ولكنه يتخلى عن الضمير؛ حين يدفعه الهوى إلى أن يهاجم الخصم ويجامل الصديق!
هذه هي بعض الزوايا التي ننظر منها إلى من يتولون صناعة النقد في هذه الأيام. . . وتبقى بعد ذلك زاوية لا تقل عن سوابقها خطورة؛ وهي أن هؤلاء الناس تنقصهم صنعة التخصص: فبعضهم يتحدث عن القصة وهو لا يعرف شيئا عن الخطوط الفنية التي تكون الهيكل العام للقصة، وعن المسرحية وهو لا يدرك على أي الدعائم يقوم البناء الفني للمسرحية، وعن أدب التراجم وهو لا يستطيع أن يفرق بينه وبين غيره من ألوان الدراسة