للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأدبية، وعن الشعر وهو محروم من نعمة الشعور. ومما يبعث على الأسف أن الذين أجادوا التحليق يوما في أفق النقد قد هجروه إلى غيره من الآفاق، دون أن يقدروا مدى الفراغ الذي تحسه المكتبة العربية في هذا المجال!

نظرت إلى النقد الأدبي في مصر فوجدته على تلك الحال: يغلب عليه طابع الغفلة والبلادة والجهل والمجاملة. . . ونظرت إلى أدبنا في محيط الدراسة الفنية فوجدته في أكثر حالاته أدب المحاكاة الناقلة لا أدب الأصالة الخالقة؛ أدب الترديد والتقليد لا أدب الإبداع والتجديد: ليس له طابع خاص وليست له شخصية مستقلة، وإنما ضاع طابعه واختفت شخصيته في زحمة الجلوس إلى موائد الغير بغية الاقتباس من شتى الطعوم والألوان. . لماذا لا تكون لنا آراؤنا الذاتية ونظراتنا الخاصة وأذواقنا المتميزة؟ لماذا لا نحاول أن نقف على أقدامنا دون أن يساعدنا أحد على الوقوف، وأن نسير دون أن يدفعنا أحد إلى السير أو يحدد لنا معالم الطريق؟ لماذا نجبن في أكثر الأحيان عن القيام بمثل هذه المحاولة؟ أهو ضعف في الشخصية الأدبية يحول بيننا وبين الكرامة العقلية، أم هو نقص في الوسائل وقصور في الأدوات؟! أغلب الظن أن للناحيتين أثرهما البعيد في صبغ الأدب المصري بصبغة الجمود والركود، وفي الوقوف به عند تلك المرحلة التي وصفناها بأنها مرحلة المحاكاة الناقلة لا الأصالة الخالقة

إنني أتحدث هنا عن أدبنا المصري في نطاق الدراسة الأدبية والنقدية. . . الدراسة التي تضع تحت المجهر نظرية في الأدب أو مشكلة في الفن، أو شخصية كان لها في محيط الفكر الإنساني مكان ملحوظ. إننا إذا تحدثنا مثلا عن نظرية أدبية ظهرت في أفق غير هذا الأفق الذي نعيش بأفكارنا فيه، كان كل صنيعنا أن ننقلها كما وعيناها فإن زدنا عليها شيئا فهو من أقوال غيرنا بلا مراء. . . وقل مثل ذلك إذا عرضنا في ميدان الفن لمشكلة من المشكلات أو لشخصية من الشخصيات، سواء أكانت المشكلة تتصل بكياننا الأدبي أم كانت الشخصية من تراث الغرب أو من تراثنا العربي القديم. لا نحاول مخلصين أن يكون لنا رأي مبتكر يضارع هذا الذي قرأناه. أو مذهب مبتدع ينافس هذا الذي نقلناه، أو تعقيب جديد يعترض في جرأة وشعور بالشخصية على وجهة نظر خرج بها كاتب غربي على جمهرة القراء. . . ومن هنا مات أدبنا وانصرف عنه الذين أقبلوا عليه في يوم من

<<  <  ج:
ص:  >  >>