قلنا هذا في مقدمة الكتاب الذي يتطلع إلى النور في الغد القريب، ونخرج من هذا الذي قلناه بأننا متفقون مع الأستاذ قطب في هذا الجانب الأول من جوانب المشكلة، ونعني به نصيب الأدباء في جريمة قتل الأدب كما عبر هو وأصاب في التعبير. ولعلك تلاحظ أن الاتفاق هنا قد تم في ميدانين هما ميدان الأدب وميدان النقد، بالنسبة إلى ما يتصف به كلاهما من أسباب النقص وعوامل القصور. . . وإذا كان هناك اختلاف فهو في طريقة العرض واتجاه خط السير الذي لم يحل مع ذلك بيننا وبين اللقاء في نهاية الطريق!
ومرة أخرى نتفق مع الأستاذ قطب في نظرنه إلى الشعر حيث يقول:(ونسيت الشعر المسكين، وما رزأتنا به المطبعة في هذه السنوات الأخيرة من ركام يتفاخر أصحابه بضخامة الحجم وكثافة الوزن، ويستعينون بصداقاتهم وبوسائلهم الخفية على الخروج به على الناس في غير ما خجل ولا حياء!
لقد نظر أحد أصدقائنا إلى ديوان من هذه الدواوين، وقد اكتنز شحما ولحماً، وهزل معنى وروحا، ثم قلبه في يديه وقال: قديما كان يقال: حمار شغل. فها نحن أولاء قد عشنا لنرى: حمار شعر!
وفي هذا الجو تختنق روح الشعر، أو الأنفاس المترددة في جوه الكظيم. ويكره الناس الشعر والشعراء، وينفرون من مجرد رؤية الدواوين، فضلا عما تحتويه من نظيم!)
كلمات قالها الأستاذ الصديق وهو يشير إلى ديوان كبير الحجم أخرجته المطبعة منذ شهور، ولا أظن أن ذلك الديوان بعد هذه الإشارة قد خفي على فطنة القراء. . . ولقد قلنا مثلها ونحن نتحدث عن الشعر المصري في الأعوام الأخيرة عارضين ومعترضين هناك في الصفحة الحادية عشرة بعد المائتين من كتابنا الذي يتطلع إلى النور في الغد القريب: (حياتنا الأدبية تعاني تخمة في الشعر وأزمة في الشعور. . . إن نظرة واحدة إلى ما تخرجه المطبعة من دواوين الشعر في هذه الأيام، تنتهي بك إلى الإيمان بهذا الحكم؛ الإيمان به كحقيقة ملموسة. ونظرة فيها التذوق والتمعن تسلمك إلى حقيقة أخرى لا تقل عن الأولى صدقا وأصالة وهي أنك لو رحت تبحث وسط هذه التخمة الشعرية عن آثار فنية ترضي الذوق حين تحفل بصدق الشعور، لما وجدت غير بضعة دواوين لقلة من الشعراء