المطبوعين. ونظرة ثالثة فيها التأمل والنفاذ تقنعك بأن أزمة الشعور عند الكثرة الغالبة من شعرائنا مرجعها إلى أن التجربة النفسية قد تمر بهم فكأنما ثمر بفراغ موحش، لا تلقي فيه إلا مجموعة حواس معطلة لا تستجيب لأحداث النفس والحياة)!
نحن هنا أيضا متفقون مع الأستاذ الصديق، فإذا اختلفنا فهو الاختلاف الذي يتمثل في طريقة العرض واتجاه خط السير الذي لا يحول بيننا وبين اللقاء في نهاية الفريق!
هذا الأدب المصري الذي شهدت موته على يد الأدباء المصريين، هو الذي أحال القلم يوما في يدي إلى معول ثائر معول تنصب ثورته على بعض القيم والأوضاع. . ومن هنا قيل عني أو قيل لي: إنك عامل هدم في الحياة الأدبية ولست عامل بناء! ولم أضق بهذا الاتهام السافر الذي وجه إلي على صفحات (الرسالة)، لأنني قد طبعت على ألا أضيق بأي اتهام ما دمت قادرا على الدفاع!
قالت وثيقة الاتهام بعد كلام طويل: إننا نفخر بك ككاتب له رسالة، وهدف يحاول أن يحققه عن طريق النقد والتوجيه. . . غير أن آراءك ونقدك تتسم غالبا بطابع العنف والقسوة، ولذلك فأنت في نظرنا عامل هدم ولست عامل بناء. وفرق كبير بين كاتب يحاول أن يضيء شمعة وسط الظلام، وآخر يسعى إلى ذبالة النور التي يتلمسها كل حائر ليطفئها! أنت كاتب طويل اللسان من أول يوم خطوته في طريق المجد؛ المجد الأدبي الذي يهيب بك أن تبقى على الشموع التي تضيء لنا الطريق)!
وقالت وثيقة الدفاع في مجال التفسير والتبرير: (يتهمونني بأنني كاتب طويل اللسان؟ هذا حق لا أجادل فيه! وأزيد عليه أنني واحد من الذين جبلوا على الصراحة وفطروا على الشجاعة، حتى لتدفعهم صراحتهم وشجاعتهم إلى أن يقولوا عن أنفسهم ما قد يشفق منه غيرهم من الناس. ولولا هذا الذي فطرت عليه وجبلت، لم وافقت متهمي على أنني كاتب طويل اللسان! أوافقهم على هذه المقدمة وأختلف معهم حول ما انتهوا إليه من نتيجة، محورها أنني عامل هدم في الحياة الأدبية ولست عامل بناء. . . هنا شيء من الظلم للحقيقة والمجافاة للواقع، لأنني ما استخدمت طول لساني في هدم قيمة من القيم إلا إذا كانت بالية، ومتداعية وينبغي أن تزول. أعني أنني لا أهدم إلا ونصب عيني هدف واحد هو أن أقيم البناء الموطد الأركان على ركام الأنقاض!