للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلى صميم الحقائق كلها فنحن معكم، لكن دعوا العقل يشعر من نفسه بهذا العجز، ولا تفرضوا عليه العجز فرضا وسيطرة؛ بل دعوه يعرفه، بالتجربة، فيأبون إلا أخذه بالحبل. وتنبئهم أن مسالك العقل في الوصول إلى الحقائق مختلفة، ومنا ما لا سبيل إلى رد نتائجه، ولا حيلة في نقضها، فهو حين يعتمد التجربة ويحدث عن واقع لا خير لكم في مناقشته، ولا سبيل لكم إلى كفه وأن تفعلوا فهو متمرد يخشى عليكم خطره، فيأبون ألا الحبل. تتحدث إليهم مثلا عند تدرج المعارف البشرية وترقيها وما يشاهد من مظاهر ذلك البارزة في طبقات الناس، فيجابهونك بأن آدم أبو البشر قد علمه الله الأسماء (وعلمه الله المسميات أيضا) وهو رسوله، فليس يصح بعد ذلك ما تقولون من هذا التدرج. وليس الأمر عندهم إلا أن رأس الدنيا في قدمها وعقلها في عقبها؛ ولا يجديك أن تفرق بين الخيرية الخلقية النفسية، والمعرفة العلمية؛ ومهما تساهلت أو تنازلت لا تصل منهم إلى رضا واطمئنان. يسمعون أن الكائن المادي والمعنوي يتأثر ببيئته؛ ويتبادل التأثير مع جميع ما حوله؛ فلا يرضون أن يكون الفقه الإسلامي مثلا قد جرى عليه ذلك وإصابته هذه الفضيحة! ويضربون الأرض برءوسهم معلنين أنهم لن يسمحوا بأن يقال ذلك.

مثل هذا الأسلوب خاطئ. يضيع ما يريد الدين أن يخفف به غلواء العقل ونزقه، ويزج أصحابه بالدين فيما ليس من شأنه؛ ويضيعون معالم الأشياء، وحدود الحقائق ليوجدوا تحكما في العقول البشرية، ويبنوا لها محابس ويضعوا عليها إغلاقا؛ وقد طبعها الله وثابة نفاذة متغلغلة محلقة.

وفي مصر قوم أسلوبهم أن يرسلوا العقل، أو قل يرسلون أنفسهم إرسالا، فيقولون بالظنة، ويحكمون بالشبهة، ويقطعون بالبداء، ويجزمون باللمحة؛ هذا إذا كان الحكم لهم، فأن كان من غيرهم طلبوا من الدليل ما لا يطلب، وجعلوا العقلي التجريبي ; في موضع الظني، فتارة يقلبون الحقيقة، فكما يسمون النتيجة التجريبية علما، يسمون النتيجة النظرية علما، ويسمون الفرض الاضطراري علما، ويسون الحل المؤقت الذي يبعثه العجز عن الحقيقة الصحيحة علما، فيزعمون أن ذلك كله من مملكة العقل التي هو فيها حر مسيطر ليس لأحد أن يحد من سلطته. يريدون أن تكون الحقيقة الطبيعية، والنتيجة الرياضية، والرواية التاريخية والخاطرة الفنية، كل أولئك عقليات علميات لا فارق بينها؛ ولها جميعا أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>