تضرب وجه الدين، وتصفع قفاه ساخرة في غير حياء ولا تقدير حتى لآداب اللياقة؛ وطورا على أساس هذه التسوية الغريبة يرون أن العلم إذا لم يلمس وجود شيء فليس موجودا ولا يصح لعاقل أن يتحدث عنه، ومادام الإله لم يختبر في المعمل فلا معبود ولا دين؛ يشكون والشك حق فطري لا ينكر عليهم؛ لكنهم لا يلتمسون الأدلة كما هي الخطوة الأولى بعد الشك، بل يطرحون ما شكوا فيه ويهملونه. وكذلك يفعلون حين يشتبهون ويقوى في تقديرهم الاشتباه، فيعدون اشتباههم آية عجز كل محاولة للإثبات، وفشل كل دليل، فيطمئنون إلى بطلان ما اشتبهوا فيه؛ وتقول لهم ان الأسلوب التجريبي لا يقبل مادون التجربة مادامت مستطاعة، فاحتكموا إليه متى أمكن، وهاتوه إذا ما ادعيتم؛ أولا فأحسنوا تقدير ما دونه من الأدلة فأساليب البحث مختلفة، ولكل فرع أسلوبه؛ ونحن في أساس التجمع، ونظامه، والشريع له، وفي حقبة الحق، وخيرية الخير، وغير ذلك لا نملك التجربةولا المعادلة الرياضية فنثبت بما عداها ونسلم؛ فلا هم مثبتون بالتجربة إذا ادعوا، ولا هم قابلون من غيرهم مثل دليلهم إذا أدعى؛ وتحدثهم عن أن بطلان الدليل لا يستلزم بطلان المدلول، وأن ما تجهل أكثر مما تعلم فيسخرون بهذه العبارات القديمة؛ ويناقضون أنفسهم في تقرير ما يرفضون مثله، ورفضمثل الذي يقررون.
ذلك أسلوب خاطئ؛ لا يحدد قيم المعلومات، ولا يطلب لكل دعوى دليل مثلها، ويضيع معالم الحقائق في النفس، فيخضع الإنسان للفرض والظن إخضاعه إياه للمجرب المطرد فيفسد التقدير، ويسلح أعداد الحرية الفكرية بأغلاط أولئك المتحررين خطأ، ويضيع هيبة العلم. ويعكر ما بينه وبين الدين، بل ما بين العلم والأخلاق مما له أثره العنيف الخطر في حياة الجماعة.
في مصر من أسلوبهم أن يهجموا على مخالفهم في الفكرة قبل تأييد فكرتهم؛ ولو كان هذا المخالف يتناول الموضوع من غير الناحية التي يتناولونه هم منها، وبطريق غير طريقهم؛ فتراهم يوازنون بين الفكرتين ويفاضلون بين الرأيين؛ ولما يبحثوا أو لابد لهم بأن يبحثوا إلا واحدا منهما؛ بل هم لم يفرغوا بعد من بحثهم وتأييد رأيهم، ويزيدون ذلك بالا يجعلوا الموازنة علمية، بل يقلبونها موازنة خلقية أو فنية، فلا يبينون الخطأ ولكن يقولون هذا تغرير أو هذا سخيف وما إلى ذلك مما يغضب ويؤلم، دون أن يقدم نحو الصواب أو