يؤخر. تكون مسألة بحثهم تاريخية او أدبية أو هبها عالمية بحتة قد تولوا درسها على أساس لهم في ذلك فانتهوا إلى نتيجة ما، فهم لا يشتغلون بتقريرها وتأييدها، وتقوية مواضع الضعف فيها، على ما تتطلبه أمانة البحث، ويقضى به نظام الإحصاء والتفرد، بل يدعون ذلك إلى الاشتغال بأن ما تقره ناحية أخرى أو باحث آخر ليس إلا تضلاً مثلا، أو هو خداع أو ما أشبه؛ وهذه الناحية وذاك الباحث قد عرض للموضوع بغير طريقتهم وعلى غير اساسهم، ويزيد النار تأججا أن يكون الموضوع مما للعقيدة مثلا به صلة؛ فنحن نعرف أن الوشائج متصلة بين الدين والفن، وبين الدين والعلم في أشياء كثيرة؛ فالأنبياء والرسل مثلا من حق التاريخ، والقرآن من متناول الأدب والتاريخ فلا جدوى على الحقيقة مطلقا في أن ينتهي باحث في مثل هذه الأشياء إلى رأى استقرائي أو حكم تاريخي فيكون همه تأكيد أن غيره من كلام الدينيين خداع أو اتجار أو نحو ذلك مما يعزز حكما ولا يدعم رأيا؛ بل لا ينفي عنه مظاهر ضعفه على حين يثير المعتقدين في غير طائل؛ ويفقد الحقيقة فرص الظهور والاتضاح، ولو قرر ما يقرر من ذلك في أسلوب سليم وبحث مستقيم ثم لوح ملوح بمخالفة ذلك للدين، لوجب عندي أن يترك لأهل الدين أمر التوفيق او التأويل؛ أو مالهم مخلص فحمل كل عبئه. ولو رؤى وصل الناحتين لا بد مع التزام حدود التخصص، والاحترام الحقيقي للحرية العقلية للزم السعي أولا إلى رال الدين بهذه الشبهة يسألون كشفها ويكلفون دفعها، فعليهم في ذلك واجبهم يحسنونه أو يحرجون بعجزهم، ويمضي العالم او المؤرخ أو الأديب وقد سلم له أنصاره ووقته وبحثه لا يخسر في ذلك شيئا على غير جدوى، ولا يثير إلا مخالفة عاقلة قد تكشف له عن نقص في رأيه أو تثبيت صحته حين تتهاوى السبة عنه.
تلك أساليب بحث وضروب تفكير لها خطرها في تمزيق وحدة الشبان وإفساد الجيل، وقطع أواصر التآلف النفسي والتمازج الروحي قطعاً يعوق التعاون الاجتماعي الذي يتطلبه الوطن ملحا من هذا الجيل، فليست الخسارة من وراء اختلاف تلك الأساليب عقلية فحسب، ولا فنية فحسب، ولا خلقية فحسب، ولا إجماعية فحسب، بل هي كل أولئك مجتمعة، وما أهولها!!