من هذه الرسائل نرى في مانون فتاة متحمسة ذكية، حية نشطة، محبة للاطلاع، قوية الذاكرة، وقد أثرت وفاة أمها في حياتها فخبا نورها قليلاً بتأثير الصدمة والحاجة إلى المال بعد ذلك.
إلا أن القدر خط صفحة جديدة في حياتها، فأن شخصاً يكبرها بعشرين سنة تمكن من أن يكسب عطفها الدائم نحوه ومحبتها الثابتة له، وهذا الشخص هو السيد رولان المفتش العام للصناعات، وزفت إليه وهي في سن السادسة والعشرين، وانتقلت معه إلى ليون.
وكان لأسرة رولان نخبة طيبة من الأصدقاء المثقفين الوطنيين الذين غالبا ما كانت تراسلهم مدام رولان راغبة بذلك تحسس الطريق نحو المجتمع الباريسي الساطع، فأن أسعد أوقاتها هي تلك التي كانت تقضها في غرفة الموقد بين ابنتها الصغيرة تعلمها حياكة قطعة من قماش وبين زوجها يدرس أوراقه على مكتبه، على حين تطرق أذنها فرقعة النار في الموقد وصوت الصقيع يصدم النافذة. وصفت في رسائلها حبها الشديد لتغيير فصول السنة واختلاف مواسم الزراعة في الحقول، ولم يعل على حبها لفترة تقضيها وسط الطبيعة الهادئة أي حب آخر
غير أن هذا السلام لم يدم طويلا، فإن الحكومة في فرنسا كانت سيئة في هذا الحين، والأرستقراطية المترفة فوق القانون، والفوضى ضاربة بجرانها على ربوع المملكة، أما الشعب الجائع فالويل له إن نبس أحد أفراده ببنت شفة ضد النظام القائم، وكانت تكفى إشارة بسيطة أو تلميحة سريعة لطرح المحتج في أعماق السجون. ورمت أسرة رولان وأصدقاؤها بأنفسهم في أحضان الحركة التي قصد بها إسقاط النظام الإقطاعي ومساوئه، وأصبحت مدام رولان: هذه المرأة الجميلة الملتهبة، روح حزب الجيروند الذي عمل على تشييد عهد الحرية على أساس معتدل
وبدأت الثورة الفرنسية عام ١٧٨٩ وعهد إلى رجال حزب الجيروند عام ١٧٩٢ بالحكم، ولكن اعتدالهم وإظهار استيائهم من مذبحة سبتمبر ورفضهم التصويت ضد إعدام الملك أتاح الفرصة لنجاح المتطرفين فقضوا على المعتدلين - منشأ الثورة ومنبعها - وصعدوا على أنقاضهم إلى منصة الحكم. وفي عام ١٧٩٣ أعدم الملك ومعظم الجيرونديين وبدأ عهد الإرهاب برعاية اليعاقبة أكثر متطرفي الثورة شدة وعنفا.