تدبر أحكام الطعان كهولة ... وتملك تصريف الأعنة مرده
قلوب الرجال المستبدة أكله ... وفيض الدماء المستهلة ورده
أحمل صدر الفصل فيه سريرة ... تعد لأمر لا يحاول رده
فإما حياة مثلما تشتهي العلا ... وإما ردى يشفي من الداء وقده
غير أن الانتظار قد طال ولم تصل إليه أنباء تقوى فيه هذا الأمل، فسمعناه يستنجز الوعد، ويحث الصحب قائلا:
فيا سراة الحمى ما بال نصرتكم ... ضاقت علي وأنتم سادة نجب
أضعتموني وكانت لي بكم ثقة ... متى خفرتم ذمام العهد يا عرب
والبيت الثاني يحمل كل معاني الألم وخيبة الأمل.
وقد اختلفت بذلك نظرته إلى السيف، فبعد أن كان يهدد بامتشاق الحسان، وشن الثورة على الخصوم، رأى - وقد خذله ناصروه - أن سيفه ليس له غناء في يده ولا قيمة، ولننصت إلى ما دار بين الشاعر وسيفه من حديث حين قال:
ولا صاحب غير الحسام منوطة ... حمائله مني على عاتق صلد
أقول له والجفن يكسو نجاده ... دموعا كمرفض الجمان من العقد
لقد كنت عوناً لي على الدهر مرة ... فمالي أراك اليوم منثلم الحد
فقال: إذا لم تستطع سورة الهوى ... وأنت جليد القوم ما أنا بالجلد
وهل أنا إلا شقة من حديدة ... ألح عليها القين بالطرق والحد
فما كنت لولا أنني واهن القوى ... أعلق في خيط وأحبس في جلد
فدونك غيري فاستعنه على الجوى ... ودعني من الشكوى فداء الهوى يعدي
فهذا السيف الذي كان سبب مجده الحربي يراه الآن قطعة من الحديد ضعيفة واهنة القوى، لا تستطيع أن تقدم له يدا، ولا أن تساعده.
لم تنزل بالبارودي نفسه فيلحف في الاعتذار، ويلح في الاسترحام كما فعل سواه، ولعله طلب أن يعود إلى وطنه موفور الكرامة، متبرئا من تهم ألصقها به حاسدوه، كما يمكن أن نلمح ذلك في قوله:
يا غاضبين علينا، هل إلى عدة ... بالوصل يوم أناغي فيه إقبالي