فثقفوها وبرعوا فيها قبل أن يتاح لهم نصيب موفور من اللغة العربية. ومنشأ ذلك فساد نظام التعليم في مصر. . . ذلك النظام الذي أوهى من دعائم قوميتنا - ورمزها الأول اللغة - كما أوهى من عصبيتنا لكل ما هو مصري. . . فإن مصر توشك أن تكون الدولة الوحيدة - وربما يشبهها في ذلك الشام - التي تسمح لعدد ضخم من أبنائها ممن يتعلمون بالمدارس الأجنبية أن يتعلموا جميع المواد التي تدرس في هذه المعاهد بلغة غير لغة البلاد. . . فالحساب والجغرافيا والتاريخ والعلوم والرسم والهندسة والأشغال وما إلى ذلك يدرس كله بلغة أجنبية وبواسطة معلمين من الأجانب. . . وهكذا يفقد هذا العدد الجم من أبنائنا مصريتهم، وينسون لغتهم، لأنهم يذهبون إلى تلك المدارس وهم صغار لم يعدوا الرابعة أو الخامسة من عمرهم، أي في السن التي يصلحون فيها للتكييف حسبما تشاء المدرسة وعلى الصورة التي تهوى سياستها أو سبب إنشائها. . . ولقد آن أن نفهم أن الاستمرار في السماح لتلك المدارس بأن يظل منهاج الدراسة بها على هذا النحو هو أشنع ضرب من ضروب الخيانة الوطنية. ولا يقل عنه سماحنا لأبنائنا بالذهاب إلى تلك المدارس. . . وهو هذا الجزء البغيض من تلك الخيانة الذي نصنعه بأيدينا. على أن الآباء الذين يدفعون بأبنائهم إلى تلك المدارس يدفعون اعتراض كل معترض بحجج لها وجاهتها أحياناً. . . ولسنا نرى ماذا يمنع وزارة المعارف من تدارك أوجه النقص التي تعتور نظام التعليم في مدارسها حتى لا تنهض لأولئك الآباء حجة في العدول بأبنائهم عن مدارسها؟ على أن التفات المدارس الأجنبية إلى تعليم البنات وتطبيعهن على الطابع الأجنبي كان خليقاً أن يفتح أعين وزارة المعارف فتقاومه بفتح المدارس المصرية الراقية في كل مدينة بها مدرسة أجنبية تغشاها الفتاة المصرية التي لا تجد مدرسة أخرى في بلدتها لتتعلم بها. . . ولحق أنه لم يعد معنى مطلقاً أن توجه الدولة ٩٥ % من اهتمامها إلى تعليم الذكور، ولا توجه إلى ما تبقى من تلك النسبة المئوية التافهة لتعليم الإناث. وسنظل فقراء في قوميتنا، مدخولين في مصريتنا، بائسين في لغتنا، ما دامت الدولة تقصر هذا التقصير الشنيع في تعليم الفتاة المصرية، صارفة معظم عنايتها إلى تعليم الذكور دون الأناث، مع علمها بأن البنت هي التي تصنع الأمة، وأن نصيبها في ذلك هو أضعاف نصيب الذكر
ونحن إنما نسوق هذا الكلام في معرض الحديث عن لغة المسرح لما له من الصلة الوثيقة