وخصومة تكيد، وشعباً يكابد داء الضرائر في زعمائه، ويكاد يستجير بعدوه من أوليائه، وينظر فيرى في يده العتاد وفي طبعه الاستعداد، ثم لا يزال برغم ذلك وضيع الشأن في الحياة، مسلوب الإرادة في الحكم، مبذول المقادة للغاصب.
وفي العراق سجلت أحداثاً ترمض القلوب وتثير دفائن الهم، من دبيب العقارب بين الجيرة، وسعي النمائم بين الاخوة، وتمكين الطائفية للنفوذ الدخيل!
وفي الشام سجلت تفرق الكلمة بالوعود، وتمزيق الجسم بالحيلة، وتسكين الألم بالمرقد؛ كذلك سجلت في المغرب دموعا يمسحها اللاطم بكفه، ووشائج يقطعها الظالم بسيفه، ونفوساً ينزو بها الحفاظ للجنس والدين فتركض في القيد، وتضطرب اضطراب المهيض في القفص.
ثم سجلت في شبه الجزيرة فعل الفقر البئيس في دار الهجرة وملاذ الدعوة، ومطمأن الضريح المقدس.
أما السطور الحمر التي خطتها لفلسطين البائسة، فمن صبيب دمائها كان المداد، ومن نشيج بكائها كان الكَلِم: هي إعلان يبعها القهري في سوق السياسة، يتزايد فيه أهلها العرب بالحق - والحق رأي واجتهاد، وبالقانون - والقانون ورق ومداد؛ ثم يهود العالم كله بالذهب - والذهب إله وشيطان، وبإنجلترا - وإنجلترا أسطول وبرلمان! فالعرب في فلسطين مقضي عليهم بالقتل والتشريد، وإخوانهم في الأوطان الأخرى ينظرون إليهم نظر العواد إلى المريض المشفى، يسعفونه بالدعاء، ويؤاسونه بالبكاء، والدعاء لا يرفع الواقع، والبكاء لا يدفع الموت.
هذه عناوين الصفحة المطوية ليس بينها عنوان جميل، فليت شعري ماذا اتخط أقلام القدر في صفحة العام الجديد؟!
لو كنا ننتفع بالذكريات، ونستفيد من العظات، لما بددنا الجهود في التجارب، وأفسدنا الأمور بالتردد؛ إن لنا تاريخاً إنسانياً حافلاً فيه لكل عظمية ذكرى، ولكل ملمة تجربة؛ وأن لنا دستوراً إلهياً كاملا فيه لكل مضلة هدى، ولكل قضية بينة؛ فاذا التمسنا على الطريقة التي نهجها الرسول، فتوفينا معاً على الغاية، وانتهينا جميعاً عندها إلى الوحدة.
إن الرسالة العربية التي هاجرت مغلوبة من مكة إلى المدنية، سافرت غالبة من الشرق إلى