غير أن هذا الكتاب العظيم صادف هوى في نفوس الأمريكيين الذين يشيدون بمظاهر العدالة، فمجدوا شخصية جون نيتل وأفردوا لكتابه الفصول الطوال لافتين الأنظار إلى ما يجري في الريف المصري من تفشي الأمراض والجهل الفاضح والوقوع تحت أثقال ديون المرابين الأجانب
ففي هذه القرى لا يصرف قرش واحد لنظافة البيوت والطرقات ونقل القاذورات وتجفيف المستنقعات، حتى لقد تبلغ الدرجة فيها أن تبقى رمم الحيوانات ملقاة بين المساكن فتتجمع عليها أسراب الجوارح والذئاب وتتصاعد منها روائح خبيثة
وفي أسواق القرى لا يوجد مرحاض واحد يفي بحاجة من يؤمه من التجار الذين يضطرون لقضاء حاجاتهم في أركان الأسواق لتبقى هذه القاذورات هدفاً لأسراب الغربان والطيور والكلاب وجامعي الأحطاب، أو تلقى بقيتها في الترع والقنوات. فالعمل على تجنب الأضرار الناشئة من الماء الملوث الآسن يجب أن يكون قبل تدبير الماء الصالح للشرب في القرى، وهذا لا يتأتى إلا بإرشاد الفلاح إلى طرق النظافة، وتوقي الأمراض المعدية، ولن يكون إرشاده إلا بتجهيز قوافل علمية تطوف بمساكنه من وقت لآخر وتعمل على أن تنشل الفلاحين المساكين من وهاد القذارة والجهل، وتخرج بهم من الظلمات إلى النور
ولقد كانت المحاضرة التي ألقاها جون نيتل في مساء الأربعاء الماضي بقاعة يورت التذكارية تحت إشراف معهد جان جاك روسو للتربية بجنيف، تدور حول هذه المشكلة، مشكلة إصلاح حال الفلاح المصري ورفع مستواه الاجتماعي مع المحافظة على تقاليد أسلافه. فذكر المحاضر بأن كل فكرة ترمي إلى تعليم الفلاح بقصد انتزاعه من أرضه ونزوحه إلى المدن هي محاولة فاشلة، فالواجب تشويق الفلاح إلى أرضه وتنمية مداركه وتوسيع آفاق فكره ومعارفه العامة؛ فإذا أردنا مثلاً أن نرشده إلى الأحوال الجوية ومعرفة سير الكواكب كان علينا أن نزوده ببعثة فلكية مكونة من محاضرين بارعين، مزودين بسيارات بها آلات ومراصد فلكية، فيحل أعضاء البعثة بقريته يوما أو بعض يوم، ويجمعون الفلاحين في مكان واحد ثم يلقون عليهم محاضرات بلغة بسيطة سهلة عن علم الفلك وحركة الكواكب والنجوم مع مساعدتهم على استيعاب هذه المعلومات بواسطة المجاهر الفلكية