للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إن دعوى كهذه لا يعبأ بها في البيئات العلمية، لأنها تخالف حقيقة علمية تعد بمثابة البداهة؛ ولو أنها نشرت في صحيفة غير موثوق بها، أو مجلة من عامة المجلات، لما كنت حركت في موضوعها قلماً؛ ولكنها نشرت في مجلة لم يكتب لغيرها من المجلات العربية ما كتب لها من الحظوة عند ذوي العلم والأدب، وسعة الانتشار في مختلف الأمصار؛ تصدر عن عاصمة الأدب العربي والفكر الإسلامي في هذا العصر، وينظر الناس إلى ما يكتب فيها ممثلاً بصورة إجمالية لآراء عمدتها الذين هم من أركان النهضة الأدبية العربية الجديدة، ونزعة الإسلام الحديثة. لذلك خشيت أن يحسب علماء الغرب هذا الرأي العجيب معبراً عن اتجاه جدي للرأي العام الإسلامي المثقف، فيحكموا علينا بما لا نستحقه

أحس صاحب المقال الأول بوهن دليله، فنهج منهجاً غريباً بعد ذلك، إذ طلب التدليل على عكس ما أدعى، أي على أن الفقه الروماني الحديث هو الفقه الروماني القديم قائلاً: (ليأتونا بالأسانيد الصحيحة والروايات المضبوطة)

الله! الله! أيطلب من أحبار العلم التدليل على ما أقرته أجيال من الأعلام المحققين لمجرد دعوى انفرد بها أدبينا الطنطاوي، وهو على الرغم من تفوقه على أكثر أقرانه بذكاء كان موضع إعجابنا، لم يتح له أن يدرس الحقوق الرومانية أكثر من غيره من الطلاب في معهد الحقوق بدمشق، ولم يتأت له النظر في تأريخ الحقوق، ولم يقيض له بعد أن يطلع على ما ظهر في العالم من مؤلفات في الحقوق الرومانية وما أكتشف من آثار تاريخية

أن من يقدم على الجزم بأمر كهذا يحدث - أن صح - انقلاباً في العالم العلمي لا يعادله أي انقلاب عرفه التاريخ في الدين والسياسة أو الاجتماع، لا يحق له أن يكتفي بأن يقول لهذا العالم العلمي: (دلل أيها العالم على صحة ما عكفت على دراسته باعتباره صحيحاً منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً)

البينة على من ادعى؛ فعلى من يقول أن الفقه الروماني الذي نعرفه الآن مختلق أن يثبت اختلاقه ويبين مختلقه، ويظهر مكنون الفقه الروماني القديم، أسوة بما يفعله العلماء إذ يكشفون القناع عن الوثائق التاريخية المزورة والكتب المنتحلة

لئن جاز في نظرنا لأحد من النصارى أو اليهود المتعصبين أن يجزم بأن القرآن الذي بأيدينا هو غير القرآن الذي أنزل على محمد (صلى الله عليه وسلم)، وأنه مختلق من

<<  <  ج:
ص:  >  >>