قلت:(فليس في بلدنا أحد يجهله أو يجهل ما نزل به من كوارث وأحداث! لطف الله يا أبا عامر! لقد سمعت انه اختلط)
فقال:(هذا كلام يذاع ويملأ الأسماع، وإن بعد عن الحقيقة كله، إن رأس الوزة لم يختلط؛ ولكنه رأى في جنونه مهربا له من ديونه، فلاذ به، وتشبث بأذياله؛ ولم تلبث حيلته أن جازت على كل من رآه. وليس هذا بمستكثر على مثله، فهو آية من آيات الخداع والغدر والعقوق!).
قلت:(ما علمت عليه من سوء! فماذا بدر منه حتى ساء رأيك فيه، وقسا حكمك عليه؟).
قال:(لقد أرهقته ديونه، وألح عليه دائنوه، فلم يجد له وسيلة غير الاختباء في منزله ليهرب من الحاف غرمائه، وينجو من مضايقة دائنيه).
وكنت قد سلفته - فيمن سلفه - دينا يسيرا.
ورأيت إمعانه في الاحتجاب، فما زلت أحتال عليه، حتى وصلت إليه.
ولم يكد يراني حتى تجهم محياه، وظهرت الحيرة والارتباك على سيماه، فهونت عليه الأمر، وما زلت به حتى سكن روعه، وسرى عنه.
وما عتم أن راجعه أنسه وبشاشته حين عرضت عليه وسيلة للخلاص من دينه ودائنيه والفكاك من أسره، على أن يرد لي - إذا نجحت الخطة - ما أسلفته إليه من دين.
فهلل بشراً وقال:(لك على عهد وميثاق إن أظفرتني بذلك لأردنّ إليك ضعف دينك، ثم لا أنسين لك صنيعك ما حييت).
فقلت له: (افتح دارك - غداً أو بعد غدٍ، إن شئت - والبس أفخر ثيابك - وهيئ في ساحة الدار أفخر مجلس تستطيع أن تهيئه لاستقبال عارفيك - دائنين وغير دائنين - ثم اجلس متكئاً على أريكة تعدها في صدر مجلسك. وتظاهر بالجد والوقار.